فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش:
كتب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان: يا أمير المؤمنين إني قد خدمت محمدا تسع سنين [وفي لفظ آخر: إني خدمت النبي تسع سنين]، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه، وأن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة..
فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بالاعتذار من أنس، فجاء الحجاج إلى أنس، وما أن سمع بذلك، حتى خرج أنس يمشي حتى دنا منه، فقال: يا أبا حمزة، غضبت؟
قال الحجاج: أغضب! تعرضني لحوكة البصرة؟
قال أنس: يا أبا حمزة، إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: إياك أعني واسمعي يا جارة، أردت أن لا يكون لأحد علي منطق (1).
بهذا المنطق كانوا يقابلون الصحابة ويسعون لتطبيق آرائهم، فهل يمكن لأحد أن يطمئن لأحاديث أنس وغيره التي وقعت تحت الضغط وجور الحكام؟!
الرابعة: إن قول الراوي (فقلت له: قد مسحت أذنيك، فقال: يا غلام...) تفهم أن الراوي كان لا يستسيغ ولا يرتضي مسح الأذنين، بل نراه قد فوجئ بهذا الفعل من أنس، وأن تأكيد أنس له (وأنها من الرأس لا من الوجه) وكذا قوله:
(هل رأيت وفهمت، أو أعيد عليك؟ فقلت: قد كفاني، وقد فهمت).. تدلل على أن مسح الأذنين لم تكن من سيرة المسلمين وأنه قالها بحالة غضب وانفعال، وكذا الحال بالنسبة إلى تثليث الغسلات وخصوصا في الرأس منه، حيث إن هذا الفعل لم يلحظ في جميع الوضوءات البيانية المنقولة عنه (ص). وعليه، فيحتمل أن يكون هذا الخبر - على فرض صحة صدوره - هو مما يستدل به لنصرة المذهب المالكي، إذ أنهم يؤكدون على مسح جميع الرأس، لقولهم بأن الباء في السورة جاءت للالصاق، وبهذا فإن هذه الرواية وغيرها تفيد هذا المذهب بالخصوص،