فنقول: لا ريب في وجود الجسم ذي الإبعاد الثلاثة. ثم هذا لمعلوم حسا يقبل الانفكاك قطعا، لكن هل ينتهي تفكيكه إلى حد لا تقبل أجزاؤه الانفكاك حتى يكون ما منه تألف الجسم أجزاء متناهية كل واحد منها غير قابل للانفكاك، أم يقبل انقسامات لا نهاية لها بالفعل، أو بالقوة.
قال المتكلمون بالأول وسموا ما لا يقبل التجزئة جوهرا.
وقال النظام (2) بالثاني.
وأكثر الفلاسفة على الثالث. وزعم هؤلاء أن كل جسم مفروض فهو واحد بالفعل كما هو في الحس لا تجزئة فيه بالفعل مع قبوله بالقوة ما لا نهاية له من التجزئة. وليس عندهم حجم إلا جسم، لأنه لا ينفك من المقدار والأبعاد المتقاطعة على قائمتين.
واعلم أن إثبات ما ذهب إليه كل واحد من الفريقين عسر، لكنا نقول قبل الشروع في تحقيق الاختيار:
زعم الفلاسفة أن كل حجم مركب من مادة وصورة، وأن الصورة بها تصير المادة محسوسة، ثم الصورة ليست داخلة في حد ذات المادة. فهي تقبل الصورة الجسمية وإن تعاظمت الصور.
والمتكلمون يزعمون أن كل جوهر له قدر من الحجمية لازمة لجوهريته عند وجوده لزوما ذاتيا، وتلك الحجمية لا أصغر منها، وأن التعاظم ليس إلا بانضمام الأجزاء لا لمقدار يقوم بالجسم.
وزعم الفلاسفة أن الاتصال ارتفاع المفاصل بين المتلاقيات بحيث تعود نهاية كل واحد بداية للآخر.