335 - 5 فان قلت: أي فرق بين رؤية الحق في كل شئ حتى يرى كل اثر منه و بين رؤية ان الأشياء مظاهره وصور أسمائه ومرايا أحواله ومجالي شؤونه كما هو مظهر لأحوال الأشياء، حتى يحكم بان الثاني حال الكمل والأول حال المحجوبين برؤية أنفسهم؟
336 - 5 قلت: رؤية اثر كل شئ من الحق تعشق وتقيد بذلك الأثر وطلب له - وإن كان من الحق سبحانه - اما رؤية الأشياء مرايا الحق ونفس أسمائه، وقد مر ان التعينات لا يسمى أسماء الا بنسبتها إلى ذات الحق فقط، وبذلك الاعتبار يكون الاسم عين المسمى، فهذا التوجه ليس الا إلى ذات الحق، وإن كان من نسبة مخصوصة يلتفت إليها، لكونها من النسب الكمالية ايفاء لحقها واجتيازا إلى غيرها، وحين لم يتوجه سهم الطلب إلى هدف الخصوصية بالذات لم يتعلق التعشق بها - بل بمن له الخصوصية - فشأنها ان لا يتوقف بالتقيد عليها، بل يجتاز منها ومن أمثالها بلا توقف تعشق، وهذا هو الفارق الواضح، ولذلك فسرنا غلبة الحكم بالمحبة والتقيد التعشقي فليفهم.
337 - 5 أو نقول: المراد بما حكمنا عليه انه حال الكمل مما لا تعشق فيه ولا طلب له بخصوصيته، لما مر في علامات هذا الذائق انه لا يتأسف على فوات شئ وإن كان الواقع مرجوح الامرين، ولا يتشوق لتحصيل مطلب معين وإن كان شريفا، الا ان عينه الوقت أو الحال فيتعرض له ولما سيأتي أيضا من مثله.
338 - 5 وبهذا الفرق يندفع الشبه بتلبس الأمور الطبيعية والشرعية الملازم عليهما ولو بالتعمل زمانين بل وأزمنة بل إلى الموت، فقد سلف ان التعمل فيهما من حيث انتسابهما إلى الأمور الإلهية ومن حيث عينه الوقت والحال غير قادح، وذلك كالتغذي على حده بنية التقوى للعبادة، كما قال تعالى: كلوا واشربوا ولا تسرفوا (31 - الأعراف) حتى قال بعض الأصوليين: بان الامر فيها للوجوب وفي: كلوا من الطيبات (51 - المؤمنون) للندب أو لتوقى بنيان الرب عن الانهدام، كما قال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (195 - البقرة) وقال عليه وآله السلام: نفسك مطيتك فارفق بها، وكذلك حكم الملابس والمناكح بنية