329 - 5 اما الأول: فاعلم أيها المتشوق الطالب لان تكون انسانا حقيقيا إلهيا، أي مطابقا احكام مظهريتك لاحكام حقيقتك الجامعة للأحدية الاعتدالية التي يكون الإلهية من بعض مراتبها كما مر في كلام النفحات، وحينئذ تكون عبدا تاما لفناء حرية أنانيتك بالكلية وأزليا أبديا، لان من فنى عن تعين أنانيته بالكلية، بقى منه الحقيقة الأحدية الجمعية المطلقة التي لا أول لها ولا آخر.
330 - 5 فاعلم أنه متى غلب عليك أمر ما زمانين على نسق واحد ثابت، أي: أحببته وتعشقت به، سواء كان ذلك الامر منك أو حاصلا من خارج في منبع علمك لا في الحقيقة، إذ كل أمر حاصل لكل أحد في الحقيقة من نفسه بشرط أو شروط، وسواء كان ذلك الامر طبيعيا، كاستيفاء اللذات الجسمانية في طلب المنافع أو الاحتماء عن أسباب الآلام البدنية لدفع المضار، أو روحانيا كالاهتمام باكتساب العلوم النافعة فضلا عن الضارة وتحصيل الأخلاق المحمودة وباجتناب الجهالات والأخلاق المذمومة، أو نفسانيا كالتقيد بالجاه والمناصب الشرعية وبدفع ما ينافي أغراضها.
331 - 5 فان النفس خميرة الآمال والأماني والتشوقات، والكلام الجامع في ذلك ما نقلناه من شرح الحديث للشيخ قدس سره في أول الكتاب من أقسام الطهارة المعتبرة في كل من الأعضاء الظاهرة والقوى الباطنة كالخيال والذهن والعقل والقلب والنفس والروح والحقيقة الانسانية والتنزه عن النجاسات المخصوصة بكل مرتبة، فليطلب ثمة. فعند اجتماع تلك الطهارات تحصل الانسانية الحقيقية المطلوبة، وانما قلنا زمانين على نسق واحد ثابت، إشارة إلى رسوخ التقيد والتعشق به - كما فسرنا - إذ الحاصل بلا تقيد النفس به ولا تعمل في تحصيله غير مذموم ولا قادح فيه، بل الوارد حينئذ خير كله مشتمل على حكمة بالغة قلة وجله.
332 - 5 فإذا حكمت على ذلك الحاصل بما حكم به الناس بزعم النسبة إلى اختيار الخلق