المعين والميل التعشقي من غير توقف عليه حال الاخذ وبعده، بل على سبيل الاجتياز والعبور عنه إلى غيره حاضرا في كل ذلك مع التنوعين المذكورين من قبل ومشاهدا لهما، وهما تنوعك بحسبه وتنوعه بحسبك، وعليه يحمل قول من قال من الصحابة:
ما أنت يا مكة الا واد * * شرفك الله على البلاد 351 - 5 وكذا قولهم في الحجر الأسود على ما هو المشهور، ويصحب ما ذكر من الأمور التي هي التحقق بالخلاص عن الميول الطبيعية والروحانية وعدم تحدث النفس بأمر وعدم الالتفات إلى أمر الا من الحيثية المذكورة امران: أحدهما تجلى الاسم الدهر الذي هو روح الزمان بنسبة التابعة. والثاني تجلى الشأن الكلى الإلهي بجزئيات شؤونه الواقعة في كل حال.
352 - 5 فإذا صرت كما ذكرنا وصحبك هذان التجليات لن تبقى لا حينئذ ولا بعد ذلك تحت حكم حالة خاصة ولا مقام معين متقيدا بهما تقيد تعشق، بل أنت حالتئذ مع مطلق الحال الكلى المندرج فيه الأحوال كلها اندراج الألوان المختلفة تحت اللون الكلى، فحكم هذا الحال المطلق فيك - إذا تحققت به - استجلاء صور الموجودات كلها، أي شهودها، و استجلاء المعلومات جميعها التي صرت مرآة لها، أي استحضارهما كلاهما فيك باعتبار شمول نسختك على صور الموجودات بظاهرها وصور المعلومات بباطنها، ثم استجلاء ما فيك فيما خرج عنك باعتبار ان ما في الخارج تفصيل صورة ما فيك.
353 - 5 ثم نقول: فان تحققت مع ذلك الاستجلاء للموجودات أو الاستحضار للمعلومات بالتجلي الذاتي المعتلى على تجلى الأسماء والصفات والمراتب والنسب وإضافات، ظهر حكمك واثرك من حيث مقامك المطلق في غيب ذات ربك، ولم يظهر عينك لفنائك واستهلاكك في الله، فكنت تبعا لما أنت مرآة له، وهو الحقيقة الجامعة بين الحضرتين: الأسماء الإلهية والحقائق الكونية، أعني حضرة الوجوب وحضرة الامكان، يحكم تلك الحقيقة الجامعة بك في كل شئ، لأنك صورتها الجامعة لجميع ما في العالم.