نصير) (1). قال المفسرون: إن هؤلاء ليسوا براضين عنك، حتى تتبع ملتهم التي ابتدعوها بأهوائهم، ونظموها بآرائهم. ثم أمره تعالى بالرد عليهم بقوله: قل إن هدى الله هو الهدى. أي إن الاتباع إنما هو لغرض الهدى. ولا هدى إلا هدى الله. وهو الحق الذي يجب أن يتبع وغيره - وهو ملتكم - ليس بالهدى.
فهي أهوائكم، ألبستموها لباس الدين. وسميتموها باسم الملة.
ففي قوله (قل إن هدى الله).. جعل الهدى كناية عن القرآن، ثم أضيف إلى الله، فأفاد صحة الحصر في قوله (إن هدى الله هو الهدى)، وأفاد ذلك خلو ملتهم عن الهدى. وأفاد ذلك كونها أهواءا لهم. واستلزم ذلك كون ما عند النبي علما، وكون ما عندهم جهلا. واتسع المكان لتعقيب الكلام بقوله: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم * ما لك من الله من ولي ولا نصير) فانظر إلى ما في هذا الكلام من أصول البرهان العريقة ووجود البلاغة على إيجازه. وسلاسة البيان وصفائه (2).
إن الدخول في مساحة هؤلاء يترتب عليها أمور على رأسها (ما لك من الله من ولي ولا نصير) إن مساحتهم بها الزخرف والإغواء والأهواء. والآخذ منهم شيئا لن يأخذه إلا إذا كان حذاؤه قد حمل غبار طريقهم وعقله قد حمل بصمة احتناكهم. وإذا كان القرآن الكريم قد حذر من هذه المساحة العريضة التي يتربع فيها المشركين من أهل الكتاب. إلا أنه في الوقت نفسه حذر من مساحة أخرى يتربع فيها المتخصصون من هؤلاء. يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) (3). إنه الفريق الناعم الذي يجيد الاختراق، ويمهد الطريق لمساحته الواسعة كي تفرض سياسات التخويف والتجويع على الأمة، من أجل تنفيذ