على المسيرة البشرية. وكيف يجلس الفراعنة في دائرة الفحشاء والمنكر ثم يقال بعد هذا إن الله أمر بذلك؟ إن البرنامج الذي يأمر بالسوء والفحشاء حذر الله تعالى الجنس البشري منه. وما قال أتباع هذا البرنامج ذلك إلا ليحتموا وراء جدار من الزينة ليغووا الناس ويدعونهم إليه. أما القول الحق في هذه المسائل ما روي عن الإمام الصادق. وقد قيل له: هل فوض الله الأمر للعباد؟ فقال: إن الله أكرم من أن يفوض إليهم. فقيل له: فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ قال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه. وروي عنه أنه قال: إن الله عز وجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون. وعنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله. ومن زعم أن الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه.
وبيان هذا كله فيما روي عن الإمام الرضا. قال: إن الله عز وجل لم يطع بإكراه. ولم يعص بغلبة ولم يهمل عبادة في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا ولا منها مانعا. وإن ائتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ذاك فعل، وإن لم يحل فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه. ثم قال الإمام الرضا: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه - أي من جادله.
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أين المركز من الدائرة. وأحاط أمته علما بأن اختيار الأمة سيكون حول هذا المركز. ونهى عن إيذاء أهل المركز أو حربهم وأمر بالالتفات حولهم. واختبار الناس بالناس سنة إلهية جارية. قال تعالى: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) (1)، وقال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا