نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (1)، قال المفسرون: إن القصد بنزول هذا الذكر إلى عامة البشر. وإنك والناس في سواء. ولقد اخترناك من بين الناس لتوجيه الخطاب وإلقاء القول. ولا نحملك بهذا قدرة غيبية أو إرادة تكوينية إلهية. بل لأمرين:
أحدهما: أن تبين للناس ما نزل تدريجيا إليهم. لأن المعارف الإلهية لا ينالها الناس بلا واسطة فلا بد من بعث واحد منهم للتبيين والتعليم. وهذا هو غرض الرسالة. ينزل الوحي فيحمله الرسول. ثم يؤمر بتبليغه وتعليمه وتبيينه.
والثاني: رجاء أن يتفكروا فيك فيتبصروا إن ما جئت به حق من عند الله.
فالأوضاع المحيطة بك والحوادث والأحوال الواردة عليك على مدى حياتك من اليتم وخمود الذكر والحرمان من التعلم والكتابة، وغير ذلك كانت جميعا أسباب قاطعة أن لا تذوق من عين الكمال قطرة. لكن الله أنزل إليك ذكرا تتحدى به على الجن والإنس. مهيمنا على سائر الكتب السماوية. والتفكر فيك نعم الدليل الهادي. على أنه ليس لك فيما جئت به صنع، ولا لك من الأمر شئ. وإن الله أنزله بعلمه وأيدك لذلك بقدرته.
فالرسول الله صلى الله عليه وسلم له الولاية في أن يبين للناس ويربي الأمة ويحكم فيهم ويقضي في أمرهم. لأن الله الذي أنزل الكتاب. علمه أحكامه وشرائعه. والرسول بهذه الولاية يبث الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة لتكتمل البشرية ويستقيم حالهم في دنياهم وأخراهم. فيعيشون سعداء ويموتون سعداء.
ولأنه صلى الله عليه وسلم كذلك أوجب الله الأخذ عنه والتأسي به وفرض طاعته طاعة مطلقة. لأن طاعته طاعة لله. قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (2)، ومن اتخذ الرسول مولى له. له يصل إلى الكمال في الحب والطاعة إلا إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من