ولقد كانت الأحكام والفرائض والحدود والسياسات الإسلامية قائمة ومقامة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشذ منها شاذ. ثم لم تزل بعد ارتحاله صلى الله عليه وسلم تنقص وتسقط حكما حكما - كما سنبين - يوما فيوم بيد الحكومات الإسلامية. ولم يبطل حكم واحد. إلا واعتذروا قائلين: إن الدين إنما شرع لصلاح الدنيا وإصلاح الناس، وما أحدثوه أصلح لحال الناس اليوم، حتى آل الأمر إلى أن يقال: إن الغرض الوحيد من شرائع الدين. إصلاح الدنيا.
والدنيا اليوم لا تقبل السياسة الدينية ولا تهضمها. بل تستدعي وضع قوانين ترتضيها مدنية اليوم. وإذا تأملت في هذه وأمثالها. وهي لا تحصى كثرة.
وتدبرت في قوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) لم تشك في صحة ما ذكرنا. وقضية بأن هذه الفتن والمحن التي سقطت على المسلمين لم يستقر قرارها إلا من طريق اتباع المتشابه وابتغاء تأويل القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن يضعه على غير مواضعه. ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره " (1).
إن الذي تخوف منه الرسول ما جاء إلا على أكتاف الذين ساروا في موضع غير الموضع. ورأوا أنهم أحق بتحديد العلامات على طريق طويل. ومن العجيب أن الذي يقف في أول الطريق لا يرى ما هي نتيجة مقدمته في نهاية الطريق. أما الذي يقف في نهاية الطريق. عند النتيجة. فإنه يرى المقدمة بمنتهى الوضوح.
إن الأمة إذا كانت هي الأولى بتحديد قافلتها التي تقودها إلى الصراط المستقيم، لا بد أولا أن تكون على علم بمن يقفون تحت سقفها. ولا بد ثانيا أن تعلم كتابها بالعلم الذي يستقيم معه. ومن آيات الله وأحاديث رسول الله الصحيحة تبين أن داخل الأمة دوائر متعددة لمؤسسات الصد عن سبيل الله.