قال: فقام النبي (ص) إلى شاة لنا بكئ (أي قل وانقطع لبنها) فحلبها فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبي (ص)، فقالت فاطمة: يا رسول الله، كأنه أحبهما إليك. قال: لا، ولكنه استسقى قبله [انظر إلى عدالة النبي]. ثم قال: إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة " (١).
فالزهراء (عليها السلام) باستيفائها الشرط المذكور في الآية - وهو الإيمان - صارت مع أبيها (صلى الله عليه وآله) في مقام واحد يوم القيامة. وبعد هذا لا يصح أن يلتبس على أحد أمره في مقام السيادة الفاطمي الإيماني فيمر عليه دون انتباه، أو دون وقفة في مقام الانبهار والإجلال لشموخه، منزها إياها عن كل ما يعكر صفو ذلك المقام أو ما يناقضه من ارتكاب الخطأ أو الآثام، ذلك لأن الذي يكون مع النبي المعصوم في مقام واحد يوم القيامة يلزم أن يكون معصوما، وإلا لزم مشاركة غير المعصوم للمعصوم في مقامه وثوابه، وهذا محال. فأقل خطأ يتنزل به المقام عن مقام المعصوم، لمراعاة العدالة الإلهية.
إذا فمقام الزهراء جامع لكل الصفات الحسان، لأنه لا يستقيم أن تنال هذا الشموخ وثمة شائبة من الجهل بسنة أبيها أو الجهل بما أنزل عليه من القرآن. أو لا يمكن أن تكون قد ألحقت بهذا المقام السامي المشترط فيه الإيمان المساوق له ويكون قد جرى يوما كذب على لسانها أو جانبت الحق يوما واقتحمت دائرة الباطل، ذلك لأن هذا المقام الإيماني مبدد لكل شين ولكل فعل يخالف هذا المقام، وهو مذهب لكل وصمة تعارضه.
إن الجهل يوقع الإنسان في القبح لعدم العلم به، أو يوقع الإنسان في التقصير في أمر العبادات وأداء التكاليف. وفي الواقع إن المقام الفاطمي هو مقام تزكية وتطهير إلهي لأهل بيت النبي ﴿صلى الله عليه وآله)، فهذا القرآن يصدح بذلك في قوله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ (2). والرجس هو القبح أو كل ما يكون علة له. وقد تم تطهيرهم عنه بمشيئة وإرادة الله التكوينية. ومن أقل لوازمه مراقبة الله والخشية منه، فضلا عن علم اليقين الذي يكشف عن قبائح الأخطاء فيورث النفس نفرة منها وتنائيا، وها هي