العصمة لا غير.
إذا فالزهراء ليست جاهلة بالدين بل عالمة بأموره تماما لا يغيب عنها شئ من مسائله، بل من غير المعقول أن تكون على غير ذلك بالنظر إلى أنها الطاهرة المطهرة إلهيا الزكية الصفية من كل ما يشين البرية، وبالنظر إلى استحالة أن يتركها أبوها عليه وعليها أفضل الصلاة والتسليم جاهلة ولو بمسألة من أمور الدين، وهي له القريبة والحبيبة والبضعة التي يغضبه ما يغضبها.
على أن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام الذي جاء معلما للبشرية والذي بعث متمما لمكارم الأخلاق أربأ به أن يترك بضعته في حوالك الجهل ويخرج الآخرين من ظلماته إلى أنوار العلم، وهل جهلها وحديث الثقلين؟!
وهل يأمر النبي (صلى الله على وآله) الناس بالبر وينسى نفسه! أم أنه لم يؤمر بأن ينذر عشيرته الأقربين؟! وهل هذا الإنذار محدود زمنيا ببدء الرسالة؟
أم كانت الزهراء مشاقة للنبي (صلى الله عليه وآله) ولم تكن ترى اقتفاء أثره والاقتداء به؟!
لقد تنزهت الزهراء عن كل ما يشين، ولا سيما الكذب وادعاء الباطل، وأخذ ما ليس لها بحق، بل لا يمكن أن تغضب غضبا طفوليا لا أساس له، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما قال من جانب الوحي: " فاطمة بضعة مني، يغضبني ما يغضبها " (1) لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يحمل الناس ذلك ظلما أو تكليفا لهم فوق طاقتهم. وليس هناك سوى ذلك لو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد جعل غضب الزهراء علة لغضبه الذي هو علة لغضب الله تعالى وهو يعلم أن للزهراء غضبا، أو يمكن أن تغضب غضبا ليس في محله أو تطالب بحق ليس لها فتغضب لذلك.
فلو كانت الزهراء تغضب على الناس دون وجه حق، ويغضب النبي (صلى الله عليه وآله) لذلك، فهذا لا يعني إلا شرخا في عدله وانصداعا في رأفته ورحمته بالناس التي شهد بها القرآن! ولا يعني إلا محاباة لبنته دون سائر الناس، تلك المحاباة المتنافية مع قوله: " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها ".
وهذا دليل على مضي عدله واستقامته (صلى الله عليه وآله). على أن الزهراء بعيدة عن عار السرقة،