ولما رأى عمر عدم مساومة الإمام علي (عليه السلام) في حقه الشرعي، وأنه لم يحقق ما حلما به في الاقتسام، قال له عمر - كما رأيت -: " أما والله، حتى تحزوا رقابنا بالمناشير، فلا ". فعمر لم يبن رفضه هذا على حديث من النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يقل أبو بكر إني سمعت النبي يقول لا نورث... إذ لم ينبس أحد منهما بهذا الحديث في ذلك الحوار، بل كان هذا الرفض مبنيا على ما كان يشعر به الشيخان من حق لهما فيما ترك النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلى ما كان يلمسانه من الحاجة إلى مصدر مالي يدعمان به الخلافة والدولة.
ولو كان الإمام علي رضي بالاقتسام لرضيا به، كما هو واضح من مجيئهما إليه لمعرفة رأيه فيما ترك النبي (صلى الله عليه وآله)، وبهذا يثبتان له حقه، وبرفضهما تمسك الإمام بكل التركة يوضحان إحساسهما بالحق فيما ترك النبي (صلى الله عليه وآله).
إذا، فالاعتراف بحق أهل البيت وإحساسهما بالحق في ذلك أيضا يوضح نية الاقتسام من تلك الزيارة.
ولما لم يجد الشيخان من الإمام (عليه السلام) استجابة لما نوياه من اقتسام تركة النبي (صلى الله عليه وآله) ووجداه ثابت الرأي في أحقية أهل البيت في كل التركة، لم يجد بدا من الاستمرار في الاستيلاء عليها والاستئثار بها، إذ حتمت السياسة والحاجة الاقتصادية ذلك من قبل فأخذا فدكا.
يقول الإمام في خطابه لعثمان بن حنيف - واليه على البصرة -: " بلى، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله " (1).
ولهذا غضبت الزهراء (عليها السلام)، ولم تكلم أبا بكر حتى لحقت بأبيها وهي غاضبة عليه لما فعل.
يقول البخاري: " فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص)، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر. قالت عائشة: فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله (ص) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر