(وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، وقال: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين). وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي ولا رحم بيننا! أفخصكم الله بآية أخرج نبيه (ص) منها، أو تقولون: أهل ملتين لا يتوارثون؟! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي (ص) (أفحكم الجاهلية يبغون) " (1)؟
فمن الواضح أن الزهراء (عليها السلام) كانت شديدة على أبي بكر وقومه في مسألة ميراثها من أبيها، فاضطرها ذلك لأن تخرج وتخاطبه أمام الناس داحضة ما ادعى سماعه من النبي (صلى الله عليه وآله) في عدم توريثه، وأن ما تركه صدقة، فاحتجت الزهراء (عليها السلام) عليه بآيات التوريث، وأشارت إلى عموم حكم الوراثة.
وفي قولها: " لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي (صلى الله عليه وآله) " إشارة إلى أنه لو كان ثمة شئ لما خفي على النبي (صلى الله عليه وآله) حتى يعلموه هم دونه. ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله) أعلم بهذا الأمر منهم فهي تعلم ذلك أيضا، إذ أنها مسألة لا يمكن أن تجهلها الزهراء ويعلمها أبو بكر وحده، فهي وارثة علم أبيها، كما شهد به أبو بكر نفسه.
وأبو بكر يعلم يقينا قدر زهراء (عليها السلام) وبعدها عن الكذب وادعاء الباطل، ذلك لأنه سمع مرارا قول النبي (صلى الله عليه وآله): " فاطمة بضعة مني، يغضبني ما يغضبها "، لأن هذا الغضب لا يمكن أن يكون بلا وجه حق، وإلا لكان النبي (صلى الله عليه وآله) قاسيا على الناس وأبي بكر بفرض إرضاء الزهراء رغم ظلمها للناس بالغضب عليهم بلا أساس. فأبو بكر يعلم هذا، ولذا كان عليه أن يجعل غضبها دليلا على خطئه وبعده عن الحق في مسألة ميراث هذه، وأن يجعل رضاها عنه عنوانا على صحة وسلامة منهجه وتصرفه في مسألة ميراثها، لأنه لو قدر لأبي بكر أن يحكم بهذا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) لغضب عليه ومنعه، لأن الزهراء كانت ستغضب غضبها ذاك، وهذا مما يغضب النبي (صلى الله عليه وآله) كما عرفنا.
وإذا صححنا لأبي بكر حكمه في ميراث الزهراء ومنعها إياه، فعلينا أن نحكم بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد ترك لبنته زمام الغضب تسوقه متى شاءت على من شاءت من الناس،