واحد لأخذ معاني ومفاهيم القرآن، ولكسب طريقة العيش على أساسه.. هو أحجى وأبلغ في تحقيق التعاضد والوحدة والتماسك، بل هو الطريق الأوحد، للهداية إلى التي هي أقوم. وما دام الاختلاف والنزاع قد منعا بين الذين آمنوا، فأسبابهما وعللهما التي تؤدي إليهما أيضا ممنوعة بلا ريب. واحد هذه الأسباب التي تؤدي إلى الاختلاف هو الأخذ من القرآن حسبما يرى كل فرد على حدة، وكيفما شاء له فهمه الشخصي المتأثر بشتى العوامل ومختلف التأثيرات.
إذا، فلا بد من شخص يتفق عليه الناس في أخذهم من القرآن عبره، وتتوحد في أمره ونهيه آراء الناس فيما يتعلق بأمور الدين، بل بأساسيات الحياة الأخرى.
وها هو الثقل الثاني، وها هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله.. إذا، فهم الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وآله لأخذ معاني ومفاهيم وأوامر ونواهي القرآن منهم، لأنه على هذا يكون اتباعهم والاقتداء بهم في الواقع اتباعا لكتاب الله واقتداء بالثقل الأول، إذ هما لا يفترقان أبدا.
إذا، فالخليفة الإجرائي والعملي واحد، وأما القرآن فهو الدستور والقانون الذي يستنطقه الخليفة في إدارة شؤون الناس على أساسه ويستنبط منه بما آتاه الله من علم اليقين.
ولهذا أعلن النبي صلى الله عليه وآله في كثير من المواطن، بل طيلة مدة حياته منذ بدء الرسالة إلى يوم وفاته، خلافتهم وخلافة القرآن فيهم، إذ هما نفس واحدة بصورة لا تقبل الانفصال، ليكونا خليفتين في الواقع الخارجي بين الناس، فالخليفة الذي تركه وخلفه الرسول صلى الله عليه وآله من بعده للناس ليعتصموا به ولا يتفرقوا هو العترة النبوية ذات الخلق القرآني، بل العترة التي هي القرآن يمشي على نسق النبي الأكرم. وإذا فصل القرآن عن ذات العترة تصورا وذهنا فهما شخص واحد في الحقيقة والواقع الخارجي، وهما شئ واحد بالذات لا غير.
لقد أعلن النبي صلى الله عليه وآله ذلك في كثير من المواطن، مؤكدا خلافتهم وخلافة القرآن في خلافتهم، فأعلن ذلك مرة بصراحة في حجة الوداع بغدير خم، ومرة في حجرته والناس حوله في لحظة مرضه الذي مات فيه (1)، فقال للناس خاتما حياته بإعلانه خلافة العترة،