ثم إن ذكر الركوع بالذات في الآية ليس المقصود منه الإشارة إلى أداء الصلاة وإقامتها على نحو عام باعتبارها صفة لمن استحق الولاية على الناس، لأن ذكر الصلاة بهذا القصد قد جاء في الأول صراحة في قوله: (الذين يقيمون الصلاة) ولهذا لا يتكرر مرة أخرى، إذ لا فائدة من ذكره لوضوح القصد والمعنى سابقا.
وأما قوله: (الذين آمنوا) فلا يدل على كافة المؤمنين، وذلك بالبيان الآتي:
أولا: للحصر الذي في الآية الواضح من لفظة (إنما).
ثانيا: لطبيعة الخطاب الذي في قوله: (إنما وليكم) إذ لا بد من طرفي الخطاب.
ثالثا: لخصوصية التصرف، فهو ليس لكل فرد، بل هو لمن له الحق في ذلك، لأنه لو ثبت التصرف لكل فرد مؤمن، ففي أمر من يكون التصرف؟ ولو كان كل مؤمن متصرفا، فمن هو المتصرف في أمره منهم؟ ومن هو الراعي؟ ومن هم الراعية؟ إذ لا بد من هذه التفرقة بين هذين الطرفين في القضية.
فقوله: (والذين آمنوا) جمع، ولكن بسبب الحصر وثبوت معنى التصرف والخطاب يمنع أن تكون دلالته على الجمع، لا سيما وأن وصف الذين آمنوا بإيتائهم الزكاة وهم في حال الركوع يحصر المعنى في فرد واحد، وهو الذي آتى الزكاة وهو على تلك الحال، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام..، كما أكدت ذلك الروايات.
ولله تبارك وتعالى حكمة في ذكر لفظ الجمع للدلالة على فرد واحد، وهي التعظيم والإكبار. أو قل إنه لفظ جمع دل على جمع على نمط القضية الحقيقية، وهي القضية التي تشمل مصاديقها في الحال والمستقبل، فلفظ (الذين آمنوا) يشمل أولي الأمر وأصحاب الولاية والتصرف، وهم جماعة. فأين الغرابة في أن يأتي الوصف بالجمع؟!
على أن في القرآن أمثلة متوافرة فيها دلالة الجمع على الفرد كقوله: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم)، فلفظ الناس جمع دل على فرد، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي بإجماع أهل التفاسير والأخبار.
إذا، فالمعني ب (الذين آمنوا) هو علي بن أبي طالب عليه السلام، لنزول الآية فيه عندما تصدق بخاتمه في حال ركوعه، وهو بالمسجد يصلي.