ولو ترك الأمر لكل الناس في حل منازعاتهم فرجوعهم إلى الكتاب والسنة لا يكون غير رافع لنزاعاتهم فحسب، بل سيؤدي إلى شدة النزاع. وليس التقصير أو القصور في الكتاب والسنة، وإنما القصور في عقول الناس، وإدراكاتهم متباينة ومتفاوتة، والفرق التي نشاهدها - سواء في الماضي أو الحاضر - هي نتيجة لتلك الإدراكات المختلفة.. إذا، فالنزاع باق.
والنزاع والاختلاف - كما نعلم - أمر ممنوع وغير مسموح به، وإن رفعه وتجنبه أمر واجب بنص القرآن، ولا يتم هذا إلا بالرجوع إلى أولي الأمر. وهذا مما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب إذا. وعدم ذكر الرجوع إليهم عند المنازعات في الآية لا يتعارض مع وجوب الرجوع إليهم.
ولكن، ما هو السر في عدم ذكرهم في الآية الآمرة برد المنازعات إلى الله والرسول؟
إننا نعلم أن موضوع الإمام المعصوم نفسه من المسائل التي حدث فيها النزاع، كما رأيت في سقيفة بني ساعدة.
كما أننا لا نشك في أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو إذا عالم بوقوع النزاع الذي حدث في أمر الإمام في سقيفة بني ساعدة قبل نزول هذه الآية، ولهذا لا يمكن أن يأمر برد النزاعات إلى الإمام المعصوم، وهو متنازع فيه مع أنه قد عين وحدد. ونحن نعلم أن النزاع بطبيعة الحال لا ينتج إلا عن العصبية والقبلية، واتباع الهوى، أو التأويل الخاطئ للنصوص. ولأن الله تعالى لطيف بعباده يهيئ لهم دائما سبل الثوبة والأوبة، فأمرهم - رحمة منه وتذكيرا لهم - برد النزاع في الإمام المعصوم مرة أخرى إلى الكتاب وما قاله الرسول في ذلك، عسى أن يتذكر الناس، أو يعلم الجاهل، أو ينتبه الغافل، أو تلين قناة المعاند اللاج، أو يطلع المتأول خطأ على الصواب.
وما دام الله قد أمر برد النزاعات إلى الكتاب والسنة، فحل هذه النزاعات لا محالة موجود فيهما. وما دام قد وقع النزاع في الإمام المعصوم فبيانه موجود في الكتاب والسنة، وإلا يكون رد النزاع إليهما لا معنى له إن كانا لا يتضمنان الحل. ولما كان الكتاب والسنة فيهما الحل لما وقع من نزاع حول الإمام فمن المحال أن لا يكون النبي صلى الله عليه وآله قد