وكيف يسهل على العقل الساذج القبول بأن النبي صلى الله عليه وآله مات بين السحر والنحر ولم يوص بشئ؟! وكيف تسكن النفوس النفوس إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا من بعده، وذهب لا يلوي من حال المسلمين في غيابه على شئ؟!!! إن هذا كلام لا يلتفت إليه، إذ أنه تهمة لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله.
اتهموه بأنه ترك أمته بلا راع عرضة للاختلاف والنزاع والاقتتال، وهذا فيه اتهام له صلى الله عليه وآله بترك الواجب! اتهموه بها وهو صلى الله عليه وآله الرحيم بأمته، الرؤوف بالمؤمنين، الذي يأسى لهم ويحرص على هداهم، كما قال عنه ربه تبارك وتعالى: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ (1).
كل ذلك كان منهم في غفلة تصحيح ما نتج من حوادث السقيفة، فقالوا: لم يوص النبي صلى الله عليه وآله بشئ، ومن هنا لا يكون عيب في أن يتولى الخلافة أي كان من الناس، حتى لو كان فاسقا أو خارجا طاعة الله تعالى.
يقول التفتازاني: " ولا ينعزل الإمام بالفسق، أو بالخروج عن طاعة الله تعالى " (2)!
ويقول الباقلاني: " لا ينخلع الإمام بفسقه، وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يحب الخروج عليه " (3)!
ثم ذكر: " بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله ".
وهذا إضراب عجيب من الباقلاني، فلو كان الخروج على الإمام الفاسق غير جائز فكيف جاز ترك طاعته في بعض المعاصي؟! وهل وجوده على كرسي الحكم - والحالة هذه - لا يعد معصية في ذاته؟ ولماذا بعض المعاصي؟! وكيف جاز تخويفه؟ وكيف يكون تخويفه؟ أوليس تخويفه هذا خروجا عليه؟!!
ولو كان استطاعة الناس تخويفه وترك أوامره في بعض الأحوال بهذه السهولة فلم لا يعزلونه، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وهو فاسق؟!