من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية ". (1) إن من المسائل الهامة التي أثبتها وأقرها الإمام الرازي والطبري في تفسيريهما لهذه الآية هو أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على نحو من القطع والجزم. وفي الواقع لا أظن مسلما يقول بغير ذلك، إذ أن الآية صريحة في إيجاب طاعتهم، بل إن الرازي قد ذهب إلى عصمة أولي الأمر، وهو الحق بلا ريب، وأشار الطبري إليها بقوله: " وأنه لا طاعة لأحد فيما أمر أو نهى - فيما لم تقم حجة وجوبه - إلا الأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم ".
فالذي وجبت طاعته في أمر لم يقم الدليل على وجوبه إذا أمر به لا بد أن يكون معصوما، لأن وجود الدليل يصون الإنسان عن الوقوع في الخطأ، ويهديه إلى الصواب، فإذا انعدمت العصمة والفرض عدم دليل على الوجوب، فكيف نعلم أن المأمور به صواب وأمر واجب. ولما كانت طاعة الأئمة، في الأمر الذي ليس له دليل يشير إلى وجوبه، واجبة على الناس علم أن أمرهم هذا حق وصواب ولا سبيل للخطأ إليه لعصمتهم، وإلا لما كانت طاعتهم واجبة، فالأمر بالباطل والخطأ أمر لا يصح ولا يجب، بل يحرم.
إذا فطاعة الإمام في أمر لا دليل على وجوبه هو لعدم نفوذ الخطأ والباطل إلى أمره هذا، وذلك لعدم نفوذ الخطأ إلى نفس الإمام، بسبب عصمته التي هي أساس فرض طاعته ووجوبها على الناس بلا دليل أو برهان على وجوب أمره.
ونفهم من هذا عدم جواز مسألة الإمام في أوامره ونواهيه، كما لا يجوز مسألة النبي صلى الله عليه وآله فيما يأمر به أو ينهى عنه، كل ذلك لعصمتها.. وبهذا يثبت الطبري أيضا عصمة أولي الأمر بقوله هذا.
ثم رجح الطبري من بين آراء العلماء الرأي القائل بأن أولي الأمر هم الأمراء والولاة وأئمة المسلمين.
وهذا صحيح لا قدح فيه، ولكنه أتبع ذلك بقوله: " ومن ولاهم المسلمون " ونفهم من ذلك أن الطبري يرى أن هؤلاء الولاة والأئمة يعينهم المسلمون، وهذا أمر لا يصح أبدا.