لم يكن لله معصية "، أو بما قاله الرازي: " إن الأمة مجمعة على أن الأمراء والسلاطين إنما تجب طاعتهم فيما علم بالدليل أنه حق وصواب، وذلك الدليل ليس إلا الكتاب والسنة ".
لقد أورد الإمام الرازي هذا الكلام لإبطال القول بأن أولي الأمر هم الأمراء والولاة كما يقول الطبري. والرازي يرد هذا الكلام لأنه يجري وراء العصمة ويسعى لأن يجد من تتوفر فيه، فانتهى إلى أهل الحل والعقد لعدم اجتماعهم على الخطأ، ولكن قد رأيت ما يكتنف هذا القول من إشكالات... فراجع.
أما الطبري فيشترط وجوب طاعة أولي الأمر بأن لا يكون ما أمروا به فيه معصية لله تعالى، وعندها يرتفع وجوب الطاعة على الناس.
إن معرفة كون أمرهم معصية أو غير معصية يحتاج إلى دليل وبرهان وحجة، وهذا يتناقض مع قوله: " إنه لا طاعة لأحد فيما أمر ونهى - فيما لم يقم حجة وجوبه - إلا الأئمة "، فهو في هذا الكلام يؤكد أن طاعتهم في الأمر والنهي، سواء توفر الدليل على وجوبه أو لم يتوفر، واجبة قطعا.. فكيف يأتي مرة أخرى ويشترط طاعتهم فيما لم يكن لله معصية؟! فمعرفة أن ذلك معصية أو غير معصية - أي معرفة أن طاعتهم واجبة أو غير واجبة لأنها معصية - تحتاج إلى حجة تبين الوجوب في الأمر أو النهي... فأين كلامه هذا من كلامه الأول؟! على أن كلامه الأول هو الأصح، لأن طاعة أولي الأمر جاءت مساوقة لطاعة النبي صلى الله عليه وآله في العموم والإطلاق والوجوب والعصمة، فلا تقيد بشرط ولا يطالبون بالدليل فيما يأمرون به.
والحديث الذي ذكره يختص بولاة الجور الذين يغصبون الحكم بالقوة، ويتسلطون على الناس بالظلم، ولا يرتبط بأولي الأمر الذين جاء الأمر بطاعتهم في الآية القرآنية، فهم معصومون ووجوب طاعتهم عام مطلق غير مشروط. والرازي يؤيد ذلك بقوله: " ذلك لأن الله تعالى أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظة واحدة، وهو قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معا، فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر أيضا ".