على أن الانقسام المشاهد في كل فرقة من الفرق الإسلامية هو تصريح باستحالة تحقق الإجماع. ولا أري إمكانية وقوع الإجماع بين أهل السنة فيما بينهم، ولا بين الشيعة بانفرادهم، فضلا أن يقع الإجماع بينهما مجتمعين.
فاجتماع الأمة بأسرها على الخطأ ممكن، ولكن لا يمكن أيضا اجتماعها على الحق بأسرها.
إن واقعة صفين كانت بين أمة المسلمين، وقد كان الحق عند أحد الطرفين بلا شك، ولكن لم يجتمع المسلمون عليه كما لم يجتمعوا على ما يقابله من الباطل، فنشبت بينهم الحرب، وقتل بعضهم بعضا.. فلماذا يتكلم الإمام الرازي بكلام يبعد عن الواقع ويعطي مصدقا لآية قرآنية ليس له وجود؟!
ثم كيف يتم التعرف على أن أهل الحل والعقد هم هؤلاء؟! فالإشكال الذي أشكل به الإمام الرازي - وهو إشكاله بصعوبة التعرف على الأئمة المعصومين، واستحالة الوصول إليهم - هو إشكال يرد عليه، إذ كيف يتم التعرف على أهل الحل والعقد والوصول إليهم؟!
. من الذي يقدمهم إلى الأمة بهذه الصفة؟! ونحن ليس لدينا في مجال التعيين إلا الإجماع أو الانتخاب والترشيح أو النص.
فأما القول بضرورة الإجماع عليهم فنحن به محتاجون إذا إلى إجماعين: إجماع من الأمة يعرفنا بأهل الحل والعقد، وإجماع آخر يعرفنا بصواب ما يصدره أهل الحل والعقد من أحكام وأوامر ونواه، بحيث تلتزم الأمة بما يصدر عنهم. وبهذا تتضاعف المشكلة، لأن العبور من الإجماع الأول إلى الإجماع الثاني محال، لعدم إمكانية وقوع الإجماع الأول.
فالجهد الذي قام به الإمام الرازي لإبعاد نفسه عن الاعتراف بالأئمة المعصومين على قول الشيعة - لا سيما بعد الاعتراف الموفق منه بعصمة أولي الأمر - فهو جهد مقدر ومشكور علميا، لكنه ناقص ولا يحل المشكلة، فقد كان عليه أن يبين لنا معيار وملاك الاتصاف بأهلية الحل والعقد، وكيفية تعريف الأمة بهم، وعلى رغم أن ذلك تترتب عليه مشكلاته، غير أنه يتيح فرصة أطول لمن أراد السفسطة.