فلو ترك أمر تعيينهم والتعرف عليهم للناس فسيظل الناس عاجزين عن ذلك أبدا، ولا يمكنهم الوصول إليهم بأي حل من الأحوال، لما علم أن الناس ليس في مقدورهم معرفة المعصوم الواجب الطاعة من البشر.
إذا، فعجزهم أبدي في هذا الأمر، وعلى هذا يكون الله تعالى قد عصم وأوجب قطعا طاعة من ليس له طاعة على الناس، لأن طاعته مشروطة بكون الناس عارفين، به وليس ذلك في وسعهم بتاتا. ولا يبقى بعد ذلك معنى لعصمتهم ولا لوجوب طاعتهم، ولا يبقى إلا العبث - تنزه الله عن ذلك وعلا علوا كبيرا -.
وعلى هذا فالشرط الذي ذكره الرازي في إيجاب طاعة أولي الأمر بكون الناس عارفين بهم شرط لا معنى له، لأن الإمام الرازي يعلم جيدا أن الناس لا يمكنهم معرفة أولي الأمر ذوي العصمة، لو أسند أمر التعرف عليهم إلى هؤلاء الناس.. فيبقى عدم وجوب الطاعة أبديا ليس مؤقتا بشرط. ولكن ما أراد الله هذا. فهل أمر بطاعتهم لكي لا يطاعوا؟! أم أوجبها على الناس قطعا وإطلاقا لكي يقف عجز الناس عن معرفة المعصومين أمام قطعها وإطلاقها؟!!
إن الله سبحانه وتعالى ما عصم أولي الأمر إلا ليحفظ بهم الوحي، وما أوجب طاعتهم إلا ليهتدي الناس بهم. ولا يتم ذلك إلا إذا كانوا معروفين ومعينين للناس، حتى يؤدى لهم واجب الطاعة. ولهذا كله فلا يعقل أن يسند الله تعالى أمر تعيينهم إلى الناس، أو يترك التعرف عليهم لجهد الناس العاجزين في الحقيقة عن معرفتهم.
إن الإمام الرازي غفل عن أن الله تعالى هو المتكفل بتعيين أولي الأمر وتعريفهم إلى الناس، فلما رأى وجوب الطاعة القطعي المطلق، وعجز الناس الأكيد عن معرفة أولي الأمر.. اضطر إلى تقييد الاطلاق بشرط لا معنى له، فأبعد وابتعد.
ثم عمد الرازي إلى إبطال قول من حمل معنى " أولي الأمر " في الآية على الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام. وأورد ثلاثة أدلة لإبطال هذا القول:
والواقع أن المرء يقف مندهشا بين مقام الرازي العلمي وضعة قوله في إبطال قول من يفسر " أولي الأمر " بالأئمة المعصومين.