إننا نصرف النظر عن العصمة التي أشار إليها الطبري إشارة، ولم يصرح بها كما صرح الإمام الرازي، ولكن.. هل أثبت الطبري وجوب طاعة الأئمة هؤلاء فيما أمروا به أو نهوا عنه ولو لم تقم الحجة على وجوب أمرهم ونهيهم؟!!
إذا، يكفي هذا في إبطال ما ذهب إليه من قدرة الناس من المسلمين على معرفة الولاة والأئمة وتعيينهم. والسبب واضح، فإننا ذكرنا أن البشر ليس في مقدورهم معرفة من وجبت طاعته في أوامره ونواهيه - سواء كان بدليل أو بدون دليل - على وجوب أمره.
وإذا عجزوا عن معرفته فهم عاجزون عن تعيينه وتنصيبه، كما هو واضح، لأن معرفة من وجبت طاعته على الناس هو فرع معرفة الواجبات. ولو كان الناس يعرفون الواجبات لما خالفوا منها شيئا، ولبطل إرسال الرسل لبيان الواجبات للناس وصار إرسالهم تحصيلا للحاصل.
فالناس لجهلهم بما هو واجب أرسل الله تعالى إليهم الرسل والأنبياء ليهديهم إلى تلك الواجبات ويعرفهم بها، إذ فيها صلاحهم ونفعهم. ولكي يتحقق هذا الهدف الذي أراده الله - وهو إصلاح الناس وهدايتهم - لا بد أن يضمن وصول أوامره ونواهيه الموصلة إلى تلك الغاية، فعصم الرسل ليسد باب التغيير والانحراف عن طريقهم، ثم أوجب طاعتهم. ولكن رأيناه أيضا أوجب طاعة أولي الأمر، فلو كانت الأخطاء تعتريهم فهل يصل إلى الناس ما أراده الله لهم من نفع وصلاح، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وهم المتصدون لهداية الناس وإرشادهم إلى الغاية والهدف الإلهي؟ أبدا، فوجوب طاعتهم - مع ارتكابهم الأخطاء - هو مدعاة للانحراف عن المسير الذي رسمه الله تعالى بوساطة رسله المعصومين، فهنا تكمن عصمة أولي الأمر، وهنا سر وجوب طاعتهم، وهنا عجز الناس عن معرفة أولي الأمر.. فالمعصوم الواجب الطاعة لا يعلمه إلا الله، وتعيينه إذا مسند إليه، إذ أنهم الطريق الذي يطويه الوحي المعصوم ليصل إلى الناس سالما من أي خطأ، فإنه يجب أن يصل إليهم كما هو بعيدا عن الخطأ والباطل، ولا يتم ذلك إلا بعصمة الأنبياء وولاة الأمر من بعدهم.
وقد يحتج علينا بما قاله الطبري: " فإن على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما