الصائب، لأن ما يفعله وما يقوله نبي الله هو الصواب سواء تحصل عن طريق الوحي أو لما اتصف به الأنبياء من الفطانة ورجاحة العقل. وإنما كانت الاستشارة في الغالب الأعم لتحقيق هدف سياسي وموضع استراتيجي، وهو نوع من ربط وتقوية الجبهة الداخلية، وإلا فالأمر ينزل عليه من السماء. وهذا هو ما فهمه سعد بن معاذ وأسيد بن خضير، فإنهما لما شاهدا إلحاح المسلمين على النبي صلى الله عليه وآله كاره لذلك - ومطالبتهم إياه بالخروج لمقابلة المشركين في خارج المدينة يوم غزوة أحد - والنبي صلى الله عليه وآله كاره لذلك - قالا للناس: " قلتم لرسول الله (ص) ما قلتم، واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه.. فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوى أو رأي فأطيعوه ".. وهذا القول عين ما جاءت به الآية، في قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول).
يقول صاحب الدر المنثور: " " عندما نزلت (وشاورهم في الأمر) قال (ص): إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي " (1).
فالشورى لهم من النبي صلى الله عليه وآله ليست إدخالا لهم في أوامر وأحكام الوحي كما يظن كثير من الناس اليوم، بل هي لتحقيق وحدتهم وجمعهم على أمر الله تعالى، لا سيما في الحروب والغزوات، لما تتضمنه من تكاليف ومشاق، فإذا شعروا أنهم قد شاركوا في صناعة الموقف العسكري أو الحربي كانوا أميل إلى الاندفاع فيه وتحمل تبعاته.
فهاتان الآيتان: (وشاورهم في الأمر)، (وأمرهم شورى بينهم) لا يجوز أن تعتبرا دليلا على الأمر بالشورى في اختيار خليفة المسلمين، وذلك لسببين:
أولا: إن مسالة اختيار الخليفة من المسائل التي وقع فيها نزاع، فلا تصح الشورى فيها لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول).
ثانيا: إن مسألة تنصيب الخليفة من المسائل التي نطق فيها الوحي بحكمه وحسم الأمر فيها، لعدم قدرة الناس على معرفة وتنصيب الخليفة، كما سيتضح أكثر فيما بعد إن شاء الله.
.