وبسبب بعد إجماعهم عن الخطأ - على ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " لا تجتمع أمتي على الخطأ " - تتحقق بذلك العصمة المطلوبة في أولي الأمر.
قوله: إن مجموع الأمة ليس هم أولي الأمر واضح لا يحتاج إلى إثبات. وأما كون أولي الأمر هم بعض الأمة فأمر نتفق فيه مع الفخر الرازي، غير أن قوله: إن هذا البعض من الأمة - أي أولي الأمر - هم أهل الحل والعقد قول تكتنفه إشكالات عدة، تجعل عدة، تجعل قبوله أمرا مستحيلا.
فأولها: إمكانية وقوع الإجماع ليست متحققة.
ثانيها: من يعرفهم للأمة باعتبارهم أهل الحل والعقد؟!
ثالثها: أين نتحصل على عصمتهم؟! هل في الأفراد منهم أو في هيأتهم الاجتماعية؟!
إن إمكانية تحقق وقوع الإجماع من المستحيلات في هذه الأمة، لا سيما في اختيار القادة والرؤساء، ودونك الواقع يصرح مؤكدا ما نقول.
نعم، من المحال أن تجتمع الأمة على الخطأ بأسرها، لكن من المحال أن يتحقق إجماع الأمة بأسرها، وفرق شاسع بين الحالتين، فلو دعا بعض فالأمة إلى الحق فلا بد أن يوجد من يخالفهم من الناس سبب من الأسباب التي لا حصر لها، فالقومية، والعصبية، والنعرات القلبية، واختلاف الإدراك ووجهات النظر، والعناد، واللجاج... كلها منفردة أو مجتمعة تجعل من وقوع الإجماع أمرا لا يرجي تحققه بين الناس.
وإن مسألة الخلافة من المسائل التي كان للأمة أن تجتمع عليها، لو كان للإجماع إمكانية الوقوع، مع قلة المجتمعين في السقيفة، وما كان لهم من الصحبة التي تجعلهم في مصاف أهل الحل والعقد في زمانهم. وعلى رغم ذلك فقد نشب الخلاف واستحال الإجماع، وسلت السيوف، وأخذ البعض بالقوة، وأغري آخرون بالمال.. فكيف للرازي أن يحلم بإجماع استحال أن يقع بين صحابة النبي صلى الله عليه وآله وهم الجيل الأول الذي عاصر النبي صلى الله عليه وآله، ليقع بين الناس في عصره أو ما تلاه من عصور، أو في هذا العصر الذي ازداد فيه تشعب العقائد وتشتت الأفكار؟!!