الأحكام والشرع، فالله تعالى هو الذي يعلم ما ينفع الناس وما يصلحهم، ولهذا فهو الذي له أن يقوم بهذا الأمر الذي لا يقدر عليه غيره، وما على الرسول إلا بلاغة بلاغا لا يخالجه الإبهام.
والله تعالى بإسناد الأمر إلى ذاته العلية يريد أن يبلغ تشريعه الناس دون أي تغيير أو نقص، سواء كان عمدا أو سهوا. ولكن الرسول بشر، والبشرية مجمع الأخطاء والنسيان، فما هو العمل إذا ما أنزل عليه أمر الله ليبلغه كما أنزل عليه دون تغيير يؤدي إلى التغيير في طريقة وأسلوب التبليغ، فضلا عن أن يؤدي إلى تغيير الهدف والغاية؟
ولهذا عصم الله الأنبياء عن الخطأ عمدا أو سهوا، حتى لا يحدث ذلك التغيير تبعا للخطأ. وعلى هذا فكل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله هو الوحي بعينه، من حيث اللفظ والمعنى تارة، ومن حيث المعنى فقط تارة أخرى. ولهذا فالنبي صلى الله عليه وآله ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ (1).
فإذا ثبت فالنبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يدركه الموت يوما، وسيأخذ بزمام الأمر من بعده ألو الأمر الذين وجبت طاعتهم على الناس مثله صلى الله عليه وآله، وإن كان الوحي لا يتنزل عليهم لاكتمال نزوله.
إن العمل بهذا الوحي - طبقا لعمل النبي صلى الله عليه وآله به - لم ينته، بل هو باق ما بقي الزمان والمكان. ونحن نعلم أن حفظ كلام كما قيل دون تغيير هو أسهل بكثير من العمل به وتطبيقه على مسرح الواقع الملموس، حيث المشاكل والمعضلات والمنعطفات الحرجة.
إذا، كيف يتسنى لأولي الأمر القيام بهذه المهمة الأصعب بعد النبي صلى الله عليه وآله دون التعرض للخطأ، إن لم تكن لهم تلك العصمة التي كان يتمتع بها النبي صلى الله عليه وآله؟ وكيف يصل ما أراده الله إلى الناس عبر أولي الأمر دون خطأ وهم بشر؟ ونحن أوضحنا أن العصمة تحفظ الوحي النازل على النبي صلى الله عليه وآله دون أن ينحرف عمدا أو سهوا، لفظا أو عملا، والله لا يسمح بشئ من ذلك الانحراف.
فإن لم يكن أولو الأمر على عصمة النبي صلى الله عليه وآله وقع ما لم يسمح به الله تعالى، وما لم