يقول المراغي: " كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يشاور أصحابه في الكثير من الأمور، ولم يكن يشاورهم في الأحكام، لأنها منزلة من عند الله " (١).
أجل، فاستشارته لهم ليست فيما أوضحه الوحي، ولا التي ينتظر أن ينزل فيها أمر من الله تعالى، بل لم يكن النبي صلى الله عليه وآله ينتظر الارشاد في حيرته إلى آراء الناس وتوجيهاتهم، إذ الآية قصد منها ملاينة الصحابة والرحمة بهم، وهي لطف من ضمن ألطافه تعالى بهم، لكي يحبب لهم الإيمان ويرغبهم في رسول الله ويعمق الدين في قلوبهم، والسياق الذي وردت فيه الآية إنما يشير إلى ذلك بوضوح.
يقول تعالى: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين﴾ (2).
في هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى خلق نبيه الكريم في التعامل مع أصحابه والذين من حوله، ويخبر بأن الغلظة والفظاظة - لو كانت - فمن شأنها أن تقطع حبال الوصال بينه وبين الناس، وتصيبهم بسببها نفرة من الدين.
فالآية وضحت كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وآله معهم، وهي تتمثل في:
أولا: العفو عنهم ومسامحتهم فيما يصدر عنهم من أخطاء، والتجاوز عنهم في ذلك.
ثانيا: الاستغفار لهم، أي طلب المغفرة لهم بالدعاء فيما أصابوه من ذنوب حتى تمتلئ قلوبهم محبة له، ويخلو ما قد يكون من انقباض، فتنبسط له ارتياحا.
ثالثا: وشاورهم في الأمر، أي أعط لآرائهم أهمية، وحسسهم بارتباط الأمر بهم، حتى لا يشعروا منك باستبداد في الأمور، فقتل أهميتها في نفوسهم.
كل ذلك فيما لم ينطق به الوحي، بل إذا عزمت فتوكل على الله فيما عزمت عليه أنت بنفسك.
ومن هنا يتجلى أن الشورى من النبي صلى الله عليه وآله مع أصحابه لم تكن لافتقاره إلى الرأي