الأرض، وهم أولياؤه وعترته، وأحق الناس بالأمر بعده، ولا ينازعهم فيه إلا ظالم ".. وهذا كلام واضح العبارات والجمل، إذ لا يحتوي على شاهد ترى فيه الدعوة إلى الشورى.
فالسابقون بالإسلام، وأولياء النبي صلى الله عليه وآله وعترته الكرام - في كلام أبي بكر - هم أهل هذا الأمر من بعد النبي الكريم، ولهم أن يخلفوه صلى الله عليه وآله دون غيرهم من الناس. بل يكون الناس ظالمين إذا اشرأبت أعناقهم وتطلعت نفوسهم إلى هذا الأمر ينازعون فيه أهله!
ولكن، ماذا قالت الأنصار إزاء هذا الكلام الذي جردهم تماما من حقهم، بل وصفهم بالظلم، ووصف مطالبتهم بهذا الأمر بأنه منازعة لأهله بلا حق؟!
قال الحباب بن المنذر يدعو قومه الأنصار إلى التمسك بحقهم كما يعتقد هو أيضا، يقول: " يا معشر الأنصار، املكوا عليكم أمركم، فإن الناس في ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدرون إلا عن رأيكم. أنتم أهل العز وأولو العدد والمنعة وذوو البأس، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم أمركم، إن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنكم أمير " (1).
وقال أيضا في رده على كلامهم: " يا مشعر الأنصار، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب! أنا أبو شبل في عرينة الأسد، والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة - أي فتية -.
فقال عمر: إذا، ليقتلك الله!
فرد عليه الحباب: بل إياك يقتل " (2).
إذا، فالمسألة في نظر الأنصار ليست خاضعة للشورى، بل هي مسألة دار ومكان ونصرة للدين، إذ بهذا استحق الأنصار هذا الأمر. وإلا فالمسألة فيما يظهر من حوارهم مسألة اقتسام " منا أمير ومنكم أمير ". غير أن سعد بن عبادة سيد الأنصار لم يكن ليرضى