لإقناع أنفسهم أيضا بما ظنوا وحسبوا، لو يغنيهم الظن عن الحق شيئا.
غير أن أبا حفص يدحض مزاعم هؤلاء فيما ادعوه من الشورى، فقد قال أيام خلافته:
" كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت، وإنما كانت كذلك، إلا أن الله قد وقى شرها. فمن بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فإنه لا بيعة له " (١). فعمر إذا، يحذر من تكرار بيعة أبي بكر التي كانت فلتة من غير مشهورة، تحمل في طياتها الشر المستطير لولا لطف الله بعباده.
وهذا لعمري هو الحق، إذ قد سلت السيوف وكادت أن تقع الفتنة، وكادوا أن يضربوا عنق الإمام علي عليه السلام، ذلك أن ما يكون عن فلتة تحفه الفتن والشرور، فهو لا يمكن أن يكون صادرا عن مشورة يتمخض عنها الرضا والقبول، أو على أقل تقدير يتمخض عنها الخضوع لرأي الأغلبية، فلا يكون بعد ذلك فلتة ولا تخشى الفتنة والشرور.
ومن هذا نخلص إلى أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر بالشورى في مسألة اختيار الخليفة من بعده، وإلا لما حدث ما حدث من نزاع تمخض عن بيعة فلتة.
وعدم أمر النبي صلى الله عليه وآله بالشورى في هذا الأمر لا يستنبط من عدم انتهاج أعضاء السقيفة لها فحسب، بل يفهم من أن تعيين الإمام وخليفة المسلمين من بعد النبي صلى الله عليه وآله هو أمر من صميم واجبات النبي الكريم، كما أشرنا إلى جانب من ذلك. ذلك أن النزاع بين الناس في مثل هذا الأمر مغروس في طبيعة وفطرة البشر، والقومية والقبلية هي التي تلد الناس.
فالنزاع إذا، هو أمر ملازم لأبناء القومية والقبلية. ثم إن الوحي وضع حلا لكل نزاع يجول في نفوس الناس، ولهذا أمرهم بقوله ﴿فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول﴾ (2). فلو رد المسلمون موضوع نزاعهم في السقيفة إلى الله والرسول فلا شك أنهم سيجدون حلا لهذا النزاع.