ويتضح من ذلك أن عليا " وطوال ستة شهور كان يفكر بأخذ حقه، ولكن بالكيفية التي لا يحصل فيها شقاق وفتنة، وقد روي عن علي أنه قال: (لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم) (1). ولكنه مع وفاة فاطمة الزهراء عليه السلام، فقد انصرفت عنه وجوه الناس، وتضاءلت بذلك إمكانية أخذه الخلافة، وذلك باعتبار مكانة الزهراء عليه السلام من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ووقوفها إلى جانبه بالمطالبة بحقه، وتنديدها بالشيخين، لا سيما بعد محاولتهما أخذ البيعة من علي ومن معه بالقوة عندما كانوا مجتمعين في بيتها، وتهديد عمر لهم عند رفضهم الخروج إليه.
ويوضح العالم الشيعي المعروف السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي: (إن عليا عليه السلام لم ير أثرا " للقيام ضدهم سوى الفتنة التي كان يفضل ضياع حقه على حدوثها في تلك الظروف، وبسبب الفتن الخطيرة التي أحاطت بالإسلام من كل جانب. فخطر يهدد الإسلام من المنافقين من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب، بالإضافة إلى خطر مسيلمة الكذاب وطليحة بن خويلد الأفاك وسجاح الدجالة، والرومان والفرس وغيرهم ممن كانوا للمسلمين بالمرصاد.
ولو أسرع علي عليه السلام إليهم في المبايعة حين عقدها، لما تمت له حجة ولا سطع لشيعته برهان، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين، والاحتفاظ بحقه في الخلافة، فالظروف يومئذ لا تسمح لمقارعة بحجة ولا مقاومة بسيف، والتي قد ينتهزها أعداء الإسلام لإحداث هدم في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم تكون مصيبته أعظم على الإمام علي عليه السلام من ذهاب الخلافة إلى غيره) (2).
ومن هؤلاء الذين حاولوا استغلال ذلك لهدم الدين أبو سفيان الذي سعى إلى علي عليه السلام أكثر من مرة يحضه على قتالهم بقوله: (إن شئت لأملأنها