فأراد عمر أن يرد عليه، فقال له أبو بكر على رسلك فقام وخطب قائلا ":
(... فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما "، والناس لنا فيه تبع، ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن مع ذلك أوسط العرب أنسابا "، ليست قبيلة من قبائل العرب إلا لقريش فيها ولادة. وأنتم أيضا " والله الذين آووا ونصروا، وأنتم وزراؤنا في الدين، ووزراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم أحق الناس ألا يكون هذا الأمر اختلافه على أيديكم، وأبعد عن أن تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم، وإنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر، وكلاهما قد رضيت لكم وهذا الأمر، وكلاهما له أهل) (1). فقال عمر: (بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله) (2).
فقام الحباب بن المنذر وهو أحد وجهاء الأنصار والمؤيد لتأمير سعد بن عبادة وقال: (فنحن لا نحسدكم على خير ساقه الله إليكم... ولكنا نشفق مما بعد اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم رجلا " منا ورجلا " منكم بايعنا ورضينا، على أنه إذا هلك اخترنا آخر من الأنصار، فإذا هلك اخترنا آخر من المهاجرين أبدا " ما بقيت هذه الأمة) (3). وكان قول الحباب حسب رواية البخاري: (أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف) (4).
ومع تأزم الموقف إلى هذا الحد، قام عمر وقال بشدة: (هيهات أن يجتمع سيفان في غمد واحد، إنه والله لا يرضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم،