فلم يكن دور الأئمة حسب هذا التخطيط حفظ الرسالة وصيانتها من التحريف والتشويه فحسب (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) بل أيضا " تعليمها وإرشاد الناس إليها على مر العصور (لكل قوم هاد)، على أن يكون ذلك بخطوات تدريجية تمهيدا " لإتمام النور الإلهي في جميع أركان الأرض في عهد الإمام الثاني عشر، والذي ستكون خلافته تتويجا " لجميع رسالات السماء، وتحقيقا " لأهداف الأنبياء والرسل (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
ولا يمكننا فهم إبعاد هذا التخطيط عن جريانه الطبيعي، كما حصل فعلا " بتهمش دور الأئمة عليه السلام، إلا بفهم القوانين والسنن التي جعلها الله سبحانه وتعالى المبدأ الأساس الذي يحكم العلاقة بين الهداية الربانية وحرية إرادة الإنسان واختياره (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد / 11].
فالتخطيط الإلهي من إرسال الأنبياء إلى بني إسرائيل على سبيل المثال، لم يكن يهدف إلى قتل هؤلاء الأنبياء وإنما لاهتداء الناس بهم. فأما قتلهم فكان ناتجا " عن تخطيط بشري أدى إلى انتصار إرادة الباطل، فكان جواب الأنبياء والدعاة إلى الحق للمعاندين والكارهين للهداية على مر العصور (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).
وهذه القوانين والسنن هي التي تفسر سياسة الأئمة الاثني عشر منذ لحظة وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاه الأوضاع التي كانت تمر بهم وتحكم علاقتهم بالسلطة وجمهور الأمة.
فالأسباب التي أدت إلى إبعاد التخطيط الإلهي القاضي باستخلاف أهل البيت عليه السلام لم تكن محصورة في الأشخاص الذين اجتهدوا بالتصدي لولاية أمر المسلمين على طريقتهم الخاصة، وإنما تعود إلى عدة عوامل مجتمعة،