وفي رواية ثالثة، كان قول ابن عباس: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة من غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيدا ": لم فعل ذلك، فقال:
سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد ألا يحرج أحدا " من أمته) (1). وقال رجل لابن عباس: الصلاة! فسكت ابن عباس، ثم قال: الصلاة! فسكت، ثم قال: الصلاة! ثم قال [له ابن عباس]: لا أم لك! أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بالصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
وينقل السيد سابق في كتاب (فقه السنة) (3) تحت عنوان الجمع للحاجة عن النووي في شرحه لصحيح مسلم: (ذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر لمن يتخذه عادة. وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك.
وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده قول ابن عباس: (أراد ألا يحرج أمته). فلم يعلله بمرض ولا غيره) (4).
وبالرغم من وضوح أدلة السنة النبوية على جواز الجمع بين الصلاتين في جميع الأحوال، وتأييد غالبية فقهاء المسلمين لذلك، إلا أن السائد عند أتباع المذاهب الأربعة هو عدم الجمع باستثناء حالات الضرورة القصوى، الأمر الذي يشير بأصابع الاتهام مرة أخرى إلى تيار التشدد والتعسير الذي تسرب بقوة إلى عبادات المسلمين ومعاملاتهم.
ولا يخفى مدى أهمية وجود مثل هذه الرخصة، ودورها في المحافظة على الصلوات، لا سيما لدى أولئك المتثقلين من أدائها (وما أكثرهم!) مفرقة في أوقاتها الخمسة.