أن يتوجهوا إلى البناء، رأيناهم يديرون فوهات المدافع ضد بعضهم بعضا " هذه المرة وبشراسة فاقت تلك التي واجهوا بها الجيش الشيوعي في الأمس القريب. حتى أنه تردد على ألسنة سكان كابل، وهم الضحية المنسية لهذه الحروب: (كفر الشيوعيين ولا إسلام المجاهدين!).
وهكذا نجد أن العالم الإسلامي اليوم يشهد تجارب جديدة في ثورة تخبط في الفكر، تنقلب إلى ثورة تطرف في الواقع، ولعل أبشع نماذجها تجده في حكومة ميليشيات الطالبان التي نسمع قصتها ونعيش مرارتها هذه الأيام.
فما دام قد وجد في تاريخنا معارك اسمها الجمل وصفين، فلماذا لا يقتتل المسلمون ضد بعضهم بعضا " اليوم؟ وما دمنا قد برأنا جميع أطراف الاقتتال في صفين وهم الجيل الفريد والقدوة المثالية، فلماذا لا نجد المبرر أيضا " للاقتتال الداخلي بين المجاهدين الأفغان؟ فهم أولى أن تقع (الفتن!) بينهم من أولئك، ويحق لهم أن يجتهدوا كما اجتهد معاوية ببغيه للوصول إلى مراكز القوة والتسلط المطلق. ولماذا لا، ما دام يتوجب على المسلمين حمل أي منكر فعلوه على أنه كان (اجتهادا " خاطئا ") يثابوا عليه أجرا " واحدا "، ومحملا " حسنا " حتى لو كان ذلك المنكر القتل وبث الفتنة والمخالفة الصريحة للكتاب والسنة.
ولك أن ترى أثر تلك المحاولات المستميتة للتوفيق بين متناقضات الصحابة، والتي لا تقبل التوفيق، وتبرير كثير من تصرفاتهم المنكرة والتي كان من ضمنها سب بعضهم بعصا " وقتلهم وحملها محمل الاجتهاد، لك أن ترى أثر ذلك كله في تشويش الفكر وتحقير العقل، بل وتولد تطرفا " وضيقا " في الأفق والنظر نحن في غنى عنه.
وهذا النمط من التفكير القشري والمنغلق على كل حال لا يزال يوجد له انتشار واسع في الوسطين السني والشيعي، ويطلق عليه مرتضى مطهري مصطلح التحجر بمعنى الجمود وانعدام المرونة والليونة، وهي حالة تشاهد عند الإنسان حين تنعدم له المرونة في الموقف من أي فكرة أو ظاهرة جديدة.