وبلغ الاعتزال أوجه زمن العباسيين عندما اعتنق المذهب بعض الخلفاء كان أولهم المأمون ثم المعتصم والواثق الذين أخذوا يجبرون الناس على الاعتقاد بعقائد المعتزلة حتى بلغ التعصب لدرجة الجلد وأحيانا " كثيرة قتل كل من يقول بعدم خلق القرآن، وقد أريقت دماء كثيرة تبعا " لذلك، حتى عرفت هذه المعضلة تاريخيا " باسم (محنة خلق القرآن)، وكان من ضحاياها الإمام أحمد بن حنبل الذي حبس زمن الخليفة الواثق وجلد ألف جلدة حتى كاد أن يموت ولكنه لم يغير رأيه. وعندما جاء الخليفة المتوكل لم تعجبه عقائد المعتزلة، وكان على خلاف من قبله يميل نحو الأشاعرة، فعمل على تقريبهم منه، ونشر مذهبهم في مختلف الولايات حتى صارت الأشعرية دين الدولة الرسمي والممثلة لعقائد أهل السنة والجماعة (1). ومنذ ذلك الحين، انقلبت الدائرة على علماء المعتزلة حيث مارست السلطات ضدهم الضغط والمطاردة، فكانت هذه الإجراءات ضربة قاصمة لفرقة المعتزلة والتي ما لبثت أن ضعفت حتى كانت نهايتها الانقراض. ولم يعد للمعتزلة في أيامنا أي وجود كفرقة دينية أو مذهب إسلامي مستقل.
وهذا لا يعني اضمحلال الفكر الاعتزالي نهائيا " من عقول المسلمين، فقد بدأت في العصر الحديث ميول جديدة في بعض أوساط المثقفين من أهل السنة نحو المنهج العقلي الذي يتميز به المعتزلة. وقد يكون تفسير هذه الميول على أنها رد فعل على تفشي ظاهرة التحجر والجمود في أطروحات بعض التيارات الإسلامية المعاصرة التي أعدمت العقل وأظهرت الإسلام وكأنه دين لا يصلح إلا للعصور القديمة وسكنة البوادي.
وهذا أحمد أمين يسجل رأيا لصالح المعتزلة حيث يقول بشأن حرية الإرادة: (وقالت المعتزلة بحرية الإرادة وغلوا فيها أمام قوم سلبوا الإنسان