ويشرح لنا Hosmer (1) السبب في عدم إقبال اليهود على الزراعة والصناعة فيقول: إن اليهود في خلال عصور التشرد لم يكن يسمح لهم بشراء الأرض، إذ لم يكن يسمح لهم بالاستقرار في البلاد التي نزلوا بها، ومن ثم لم يتجهوا للزراعة، كما أن اليهود لم يكن يسمح لهم بدخول المصانع والمناجم، إذ كان يخشى أن يكونوا بها عوامل تخريب واضطراب، وبذلك اتجهوا إلى المهن الفردية، كالطب والمحاماة والكتابة والتجارة، على أن ميولهم التجارة كانت أوسع لأنهم يربحون خلالها دون أن يقدموا للمجتمع الذي يعيشون فيه أية خدمات.
ولكن الحركة الصهيونية أدركت منذ وقت مبكر أن الزراعة هي التي تمنح الشعب استقراره وتغرس جذوره في الأرض، ولذلك أكن من أول اتجاهاتها خلق الفلاح اليهودي والمزرعة اليهودية، فخلق المزرعة اليهودية كان قرارا سياسيا وليس قرارا اقتصاديا، ومن أجل هذا حرص اليهود بفلسطين على توسيع مزارعهم، وللوصول لهذا الهدف حاولوا اغتصاب ماء الأردن بتحويل مجراه.
واتجه اليهود بالمزرعة لتكون وحدة زراعية وعسكرية في نفس الوقت، فرجالها يعنون بالزراعة ويدافعون عن المستعمرة دفاعا عسكريا، حتى إذا قامت إسرائيل بحرب أصبحت المزارع المتجاورة بمثابة حصون دفاعية يسكنها الفلاح الجندي، وتمتد هذه على طول الحدود بين إسرائيل والبلاد العربية 0 2).
ويتصل بهذه الخطة ما شرحه وايزمان زعيم إسرائيل بقوله: إن رأيي هو أن الوطن القومي له سبيل واحد لتحقيقه، وذلك السبيل هو ضم دونم إلى دونم وبقرة إلى بقرة، ومزرعة إلى مزرعة... (3) وبهذا كانت الزراعة هي السبيل الذي ارتآه اليهود طريقا لتحقيق أهدافهم الصهيونية.