المقدس، هي أن اليهود ذهبوا إلى بابل همجا، وعادوا منها ممدنين، خرجوا جمهورا مختلطا منقسما على نفسه، لا يربطه وعدي ذاتي وطني، وعادوا بروج قومية شديدة، وجنوح إلى الاعتزال، ذهبوا وليس لهم أدب مشترك معروف بينهم كافة، وليس هناك ما يدل على تعودهم تلاوة أي كتاب، وعادوا إلى وطنهم ومعهم شطر أكبر من مادة (العهد القديم)، وواضح أن اليهود بعد أن تخلصوا من ملوكهم القتلة المتنازعين، وبعدوا عن السياسة، وعاشوا في ذلك الجو الباعث على النشاط الذهني في العالم البابلي، فإن العقل اليهودي ما لبث في أثناء مدة الأسر أن خطا إلى الأمام خطوة عظيمة (1).
ذلك موجز القول عن ظروف تدوين الأسفار، أما كتابها فكثيرون، ويبرز من بين الكتاب اسم الكاهن عزرا، مرتبطا بتدوين التوراة، ويذكر Hosmer أن عزرا هو الذي - في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد - قاد جماعة من اليهود إلى فلسطين حيث استعاد بها الحياة اليهودية، وهو الذي أبرز أجزاء كثيرة مما سمي فيما بعد بالعهد القديم، وقد أكمل الكهنة الذين جاءوا بعد عزرا ما بدأه هذا الكاهن، وفي عهد المكابيين كانت أجزاء العهد القديم قد وجدت تقريبا، ولكنها لم تكن وضعت في نظامها المعروف الآن، كما أنها لم تكن في مستوى واحد من حيث الاجلال والتقدير (2).
ويروي العلامة رحمه الله الهندي، أقوال بعض المؤرخين الغربيين التي تقرر أن توراة موسى ضاعت، فأوجدها عزرا مرة أخرى بإلهام (3). ويبدو أنه بسبب دعوى الالهام هذه، وبسبب جهود عزرا في إعادة بناء الهيكل، سمى اليهود عزرا (ابن الله).