ولم يكرر فيها قط، بل جعل في كل منها شيئا ليس في الآخرين، يتميز به كل إنسان عن الباقين، وكما فعل الله تعالى في الأشكال فعل في الأصوات، فملايين الناس يتكلمون اللغة العربية، وملايين يتكلمون الإندونيسية، ومئات الملايين يتكلمون الإنجليزية، وهكذا، ولكن الله جعل لكل إنسان بحة خاصة وصوتا معينا، بحث لا تختلط هذه البحة ولا ذلك الصوت بشخص آخر، فإذا سمعنا صوتا ألفناه، عرفنا صاحبه قبل أن نراه، ولا نستطيع أن نقول: إن هذا صوته غليظ وذلك صوته أجش، لا، ولكن هناك شيئا ميز الله به بين الأصوات، وذلك الشئ لا ندري كنهه، ولكنه موجود على كل حال، وبه نفرق بين أصوات الناس كما فرقنا من قبل بين أشكالهم.
ومثل هذا يقال عن اختلاف الخطوط واختلاف البصمات، فلكل إنسان طابع خاص في خطه، فلا تكاد ترى خطا أليفا لك حتى تعرف كاتبه.
أما البصمات، فقد أثبتت كل الأبحاث العلمية أنها تختلف اختلافا واضحا من شخص إلى آخر، وأصبحت في الأبحاث الجنائية عظيمة القيمة، لهذا السبب.
ولو قارنا هذا بما يصنعه الإنسان لوجدنا البون شاسعا، فالأبواب في العمارة الواحدة متماثلة تماما، والسيارات أو الأسرة أو المراوح الكهربائية التي تنتجها شركة معينة، متماثلة تماما مما يبرز الفرق بين صنع الله وصنع الإنسان.
وانتهت هذه الجلسة بعد سهرة طويلة، قدمت فيها ما عرفت ما ذكرت ومما سأذكر، وخرج هؤلاء المثقفون وهم أقرب إلى اليقين، أو قل:
وهم ينعمون بحلاوة اليقين إلا من طمس الله على قلبه، وأعتقد أنهم كانوا قلائل.