فأما الدعوة الأولى فلم يعول فيها إلا على تنبيه العقل البشري، وتوجيه النظر في الكون، واستعمال القياس الصحيح، والرجوع إلى ما حواه الكون من النظام والترتيب، وتعاقب الأسباب والمسببات، ليصل بذلك إلى أن للكون صانعا، واجب الوجود، عالما حكيما قادرا (1).
وقد حصلت لي تجربة خاصة في التدليل على وجود الله، سأقصها هنا كما حدثت مع شئ من الايجاز بقدر الطاقة.
كنت في زيارة رسمية لأحد أقاليم إندونيسيا حيث أمضيت عشرة أيام، وقد نظم لي مكتب الوزارة عدة اجتماعات خاصة وعامة لإلقاء محاضرات على المدرسين والهيئات والجماهير، وفي ذلك الإقليم كانت هناك رابطة للذين تلقوا علومهم في الغرب، أو اتجهوا بأفكارهم إلى الثقافة الغربية، وخلال الأيام الأولى لزيارتي لم يهتم أفراد هذه الرابطة بمحاضراتي ولم ينضموا للجماهير الغفيرة التي كانت تحضرها، وحجتهم في مقاطعة هذه المحاضرات اعتقادهم أن المحاضر يتحدث عن الدين كما تعود كثير من الشيوخ أن يفعلوا، يرغبون في طاعة الله، ويحثون على العبادة، وهكذا، ومستوى مثل هذه المحاضرات التي تخيلوها لم يكن يناسب ثقافتهم ومعارفهم.
غير أن هؤلاء المثقفين عرفوا بعد أيام من زيارتي أن الأحاديث التي كنت ألقيها عالية المستوى كما قالوا لي فيما بعد، وقد أغراهم ذلك بالاتصال بي، فأرسلوا لي مندوبا عنم يسألني عما إذا كنت مستعدا أن ألقى محاضرة بناديهم تكون عبارة عن إجابات لشكوك دينية أصبحت لديهم حقائق أو عقائد، وأجبت على الفور بالقبول، وكانت ليلة طويلة حضرها هؤلاء المثقفون، وحضرها جماعات غفيرة سواهم ليروا هذا اللقاء وينظروا نتائجه.