- لا تقدرون أن تخدموا الله والمال، لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وما تشربون، ولا لأجسامكم بما تلبسون (1).
- يعسر أن يدخل غنى ملكوت السماوات، وأقول لكم إن مرور جمل في ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى ملكوت الله (2).
كان هذا هو اتجاه المسيحية في الشرق: العمل على التطهير الروح وتقوية الصلة بين الإنسان وخالقه، أما تنظيم الحياة الدنيا وإحكام الصلة بين الفرد والفرد، فلم ينل من المسيحية عناية تذكر، وعبرت هذه الديانة من الشرق إلى أوربا فواجهت هناك - مع تجردها من المادة - أناسا شغلتهم المادة، ولا تكاد تنقطع عندهم الحروب وحملات السلب والانتقام، ولما اعتنقها هؤلاء أو بعضهم لم يجدوا فيها عناصر كافية لتنظيم حياتهم المادية، فاتخذوها وسيلة لصلة العبد بربه، وبقيت صلة الفرد بالفرد خاضعة للقانون الأرضي الذي يضعه البشر.
وعلى هذا اتخذت المسيحية ثوب الزهد والتسامح وقنعت بهما، وكان شعارها " ما لقيصر لقيصر وما لله لله " واتجهت بكليتها إلى التطهير الروحي والتهذيب الوجداني، وصاغت نفسها على أساس أن الدين صلة بين العبد والرب وأن القانون صلة بين الفرد والفرد وبين الفرد والدولة.
غير أن ذلك لم يقنع رجال الدين في بعض العصور، فكثير منهم عشقوا السلطة والنفوذ، وعشقوا أن يدخلوا الحياة العامة لا لإصلاح الحياة العامة، وإنما ليستفيدوا هم من الجماهير الجاهلة، ولكن تدخلهم في الحياة العامة أثار