وكان عمر يرسل من قتله من يستقبل العير ويميل بها للمحتاجين، وكان حريصا على أن يسد بها خلة الناس ويزيل عنهم الجوع، فكان يقول لكل من مندوبيه: أما ما لقيت من الطعام فمل به إلى أهل البادية، فأما الظروف فاجعلها لحقا يلبسونها، وأما الإبل فانحرها لهم يأكلون من لحومها ويخزنون من ودكها، ولا ترض أن يقولوا: ننتظر بها الحيا، أما الدقيق فيصنعون ويحرزون حتى يأتون الله بالفرج.
وكان عمر يعد الطعام في بيته ويقدمه للوافدين من البادية وغيرهم ممن ليست لهم بيوت بالمدينة، وقد بلغ من طعموا على موائده ذات ليلة، عشرة آلاف شخص، وأما المرضى والضعفاء، فكان يرسل لهم طعامهم حيث هم، بخلاف أسر أخرى بالمدينة كانت تأخذ الدقيق والأدم وتتولى الطبخ بنفسها.
ووضع عمر دستور التعاون الذي لا نعتقد أن المدنية في أسمى مراحلها تستطيع أن تصل إليه، قال: لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عدتهم فيقاسموهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بالحيا، فعلت فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم.
وما إن انتهى هذا القحط ونزل المطر، حتى روع المسلمين حادث آخر، ليس أقل خطرا من الجدب والمجاعة، ذلك هو الوباء الذي انتشر في أرض الشام. وانتقل منها إلى العراق، وقد حصد هذا الوباء عددا كبيرا من المسلمين، وكان يصيب الرجل فيسقط سريعا وكان أبو عبيدة بن الجراح على جند الشام في ذلك الحين حيث انتشر الوباء واستفحل خطره، وأبو عبيدة حبيب إلى نفس عمر، وهو أمين هذه الأمة كما لقبه الرسول، وكان عمر يفكر في أن يستخلف أبا عبيدة بعده، ومن أجل هذا فكر في إبعاده عن الشام وما فيه من وباء وموت.
ولكن عمر كان يدرك أن أبا عبيدة يحرص على أن يبقى مع جنده يصيبه