ما يصيبهم أو تحميه عين الله، ولذلك نجد عمر يكتب لأبي عبيدة لا ليعلن له ما يضمره بشأنه، بل يكتب له قائلا: " أما بعد، فإني قد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها، فعزمت عليك إذا نظرت في كتابي هذا ألا تضعه من يدك حتى تقبل إلي ".
ولكن أبا عبيدة يدرك ما أراده عمر، ويعز على أبي عبيدة أن يخلي جنده في منطقة الخطر ويفر بنفسه، فيجيب عمر: " إني قد عرفت حاجتك إلى، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره وقضاءه، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي " وقرأ عمر الكتاب فبكى، فسأله من معه: هل مات أبو عبيدة؟
فأجاب: لا وكأن قد ومات أبو عبيدة؟ عقب ذلك في وسط جنده وفي وسط البلاء.
وبعد، ذلك هو الإسلام الذي جاء بحق ليكون خاتم الأديان، وجاء رسوله ليكون خاتم الأنبياء، وقد حمل الإسلام بين دفتيه سعادة الدين والدنيا لمن تبعه وسار في ضوئه، كما تسربت منه لغير معتنقيه ألوان من المعارف والثقافات والاتجاهات الخلقية لم تكن البشرية تعرفها من قبل، وقد استطاع هذا الدين أن يحمي نفسه من الترهات والأباطيل خلال القرون الحالكة التي مرت بالمسلمين، فما جاء عهد النور خرج للناس بآلائه وصفائه كإشراقة الصبح وبسمة الأمل، ولا نزاع أن البشرية لن تجد إلا في ظلاله سعادتها واستقرارها ولا نزاع أنه سيكون دين المستقبل، لقد انتشر الإسلام في طول الأرض وعرضها حتى يوم كل المسلمون مغلوبين على أمرهم، والآن وقد استعاد المسلمون مكانتهم وتحررت بلادهم وعقولهم، لا بد أن زحف الإسلام سيكون أقوى، وانتشاره سيكون أشمل: " إن الدين عند الله الإسلام " (1).