حتى أصبح العربي يذبح منها، ثم يعافها لقبحها وهزالها.
وقد شملت هذه البلوى الحضر والبادية في الجزيرة العربية، وهرع أهل البادية إلى المدينة حيث يعيش الخليفة يطلبون إليه أن يدبر أمرهم، ويلتمسون عند أهل الحضر شيئا مما تعودا أن يختزنوه.
وأحسن عمر بجوع الناس وحرمانهم، فحلف ألا يذوق لحما ولا سمنا، حتى يحيا الناس، ووضع دستوره العادل: " كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما يمسهم؟ ".
قال عياض: رأيت عمر عام الرمادة، وهو أسود قد تغير لونه من الحرمان، وأكل الزيت.
وقال يزيد بن أسلم: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا عمر يموت هما بأمر المسلمين.
وكتب عمر إلى الولادة في الشام وفلسطين والعراق، ويستنجدهم ويطلب منهم العون، وكانت عبارته لهم قصيرة عميقة التأثير: " سلام عليك، أما بعد، أفتراني هالكا ومن قبلي، وتعيش ومن قبلك؟ فيا غوثاه! يا غوثاه!
يا غوثاه! ". لم يصدر عمر أوامر، وكل ما فعله هو هذه المقارنة التي تقرر ضرورة التعاون في السراء والضراء، وأن من العدل أن يقتسم الناس الخير والشر، وليس من الإسلام أن يجوع ناس ويشبع آخرون أو يتخمون.
وسارع المسلمون في كل مكان يلبون دعوة إخوانهم في الجزيرة العربية، وانهال العطاء من كل جانب بكثير من السخاء والكرم، وكان أبو عبيدة من الجراح أسرع الأمراء استجابة لنداء عمر، فقدم من حمص في أربعة آلاف راحلة محملة طعاما، وبعث عمرو بن العاص الطعام من فلسطين على الإبل وفي السفن، وبعث معاوية ثلاثة آلاف بعير من الشام، وبعث سعد بن أبي وقاص ألف بعير من العراق تحمل الدقيق، هذا عدا الأكسية الكثيرة التي أرسلها هؤلاء