وفي غمرة البحث والتنقيب عن أسرار دينه، قد تطرأ عليه الرغبة الملحة التي تبلغ به حد التطفل، فيسترق السمع في غفلة من دينه الذي ولد وشب عليه، إلى دعوة تدعو إلى دين آخر، وقد يسرع فيستبعد هذا الفكر الطارئ، وقد يرحب به ويتوغل في بحثه ودرسه، وهو يميل إلى هذا الاتجاه الأخير إذا كان عقله الفطري قد بلغ غايته من التحرر، فلم يعد ينظر إلى الأبوة أو البنوة أو العشيرة أو الأموال، بل تكون هذه كلها قد اضمحلت قيمتها أمام إلحاح الفطرة التي تدفع الناس دفعا قويا للبحث عن الحقيقة.
وكلما كان الدين الجديد واضحا لا تعقيد فيه ولا تكلف، وكلما كان متفقا مع الفطرة التي فطر الله عليها خلفه، كلما كان التمسك به أقوى، دون حاجة إلى دعاء يستعملون أساليب الكياسة والفطنة والمنطق الخلاب ليجذبوا لدعوتهم الناس، لأن الحقائق ليست بضاعة تتعلق بمطالب الجسد، إنما هي مطلب الروح والعقل، والروح والعقل يبغيان الحقائق الواضحة التي لا التواء فيها ولا دوران.
ويعد هذا التقديم الذي أو جزناه يقوم الأستاذ محمد فؤاد الهاشمي بوصف حالته وتطبيق هذه الانفعالات على نفسه فيقول:
وقد صادفتني هذه الحالات، ودرت في فلكها، واصطليت في أتون الفكر ردحا من شبابي، فقد ولدت على دين من أديان أهل الكتاب ونشأت أقلد أبوي وأترسم خط أجدادي في أداء الطقوس والشعائر، حتى بلغت الرشد ونلت حظا من العلم ووجهت إلى تعلم هذا الدين، لأكون دعامة من دعائم الدعوة له، وربما قائدا من قادته.
وقادتني الدراسة إلى إصاغة السمع إلى عدة نداءات وصلت إلى سمعي