وينسى أن رأي رستم لا يمكن أن يكون دليلا على المسلمين، وينسى كذلك باقي الرواية حيث سخر المغيرة من رستم ومن ماله، وحيث صاح به بألا مناص من واحدة من ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال.
والذي ظنه رستم ظنه فيما بعد ملك الصين عندما زحف قتيبة بن مسلم على هذه الأصقاع، وأناب عنه هبيرة الكلابي لمقابلة ذلك الملك بناء على طلبه، فقال له الملك: قل لصاحبك (يقصد قتيبة): إني عرفت حرصه وقلة أصحابه، فلينصرف وإلا بعثت إليه من يهلكه. فصاح هبيرة: كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا قادرا عليها وغزاك؟ أما تخويفك إيانا بالموت فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه أو نخافه.
إذا فهذه التهمة قديمة، وردها أيضا قديم كما ترى... على أننا لا نحاول أن ننكر أن بين المحاربين العرب من كان يحب المال أو يسعى إليه، ولكن الذي ننكره بقوة وإيمان هو أن يكون الدافع لهذه الحروب هو المال، ومعنى الدافع هو القوة التي ترسم الخطط وتوجه، وهو كذلك الاحساس الداخلي الذي يحث المحاربين على العمل لتحقيق الأهداف التي رسمت لهم، هذا الدافع كان إسلاميا صرفا، وإذ جاء المال فهو تابع له ولم يكن قط هدفا لذاته، ونضع الأدلة لإبراز هذا الرأي:
أولا - صارع المسلمون الشرك في قلب الجزيرة العربية أكثر من عشرين عاما سقط خلالها آلاف من خيرة المسلمين في الغزوات وحروب المرتدين والمتنبئين ومانعي الزكاة، وكانت كل هذه الحروب تدور في البادية القفراء كما سماها الدكتور حتى، بعيدة عن الأطماع في الأرض التي سماها مواطن الخصب بالشمال. فما الدافع لكل هذه الضحايا؟