أضف إلى ذلك أن المسلمين طالما حاولوا الانتصار دون حرب ودون غنائم كل حصل في فتح مكة، وطالما حصلوا على غنائم ثم ردوها لأصحابها بعد إسلامهم كما حصل في غزوة حنين والطائف.
ثانيا - أي مال كان يمكن أن يتطلع إليه المسلمون والوصول إليه محفوف بالمخاطر؟ وقد سبق أن أوردنا أن عمر بن الخطاب حينما دق بابه أحد الصحابة وهو نائم ليلا هب عمر من نومه مذعورا وهو يقول: ما هو؟
أجاءت غسان؟ وقد عاش البدو آلاف السنين في هذه الجزيرة القاحلة وكانوا يعرفون الخيرات في الشمال، ولكن أحلام أحدهم لم تصل إلى أن يطمع أن يدك عروش الملوك، وأن يجعلها تخضع لسلطان البدو الذين لا سلاح لهم ولا دربة ولا عدد، في حين كان للروم وللفرس جيوش جرارة وعتاد قوي ونظام كامل. وقد كان العرب لذلك يخافون حرب الروم وقد وقعت بهم الهزيمة في غزوة مؤتة، وترددوا طويلا عندما دعوا إلى غزوة تبوك، وقد عبر عبد الرحمن بن عوف عن قوة الروم بقوله: إنها الروم وبنو الأصفر، عزم حديد وبأس شديد.
ثالثا - لقد حافظ المسلمون قبل أن تكتسحهم الأطماع الدخيلة على حياة التقشف والزهد، وعندما حاصروا حصن بابليون بعد أن فرغوا من الشام وفارس كانوا لا يزالون على بساطتهم وصفائهم، وقد أرسل لهم المقوقس رسلا ليتعرفوا له أحوالهم، فعاد الرسل إلى المقوقس وقالوا له: رأينا قوما الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، وليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، جلوسهم على التراب، وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف كبيرهم من صغيرهم ولا السيد فيهم من العبد...
رابعا - طالت حرب المسلمين مع سكان شمالي إفريقية وامتدت،