وربما صح القول أن هذه الأقسام كلها لا تزال تعيش في العهد الحاضر، فقد رفعت المدنية بعض أجزاء من الجنس البشري إلى غاية من الرقي، ولا يزال هناك آخرون يحبون، نصيبهم في المدنية محدود، ومجالهم في التطور ضئيل، وبين هؤلاء وأولئك أقسام وأقسام.
ولعل حقا أن يقال إن الديانات السماوية تركزت في منطقة الشرق الأوسط لهذا السبب، فقد شهدت هذه المنطقة أرقى حضارات العالم منذ أقدم العصور، وكانت حضاراتها أدبية وعلمية فهيأت شعوبها لتلقي الرسالات، ولسنا في حاجة لنذكر هنا حضارة الفراعنة المتلونة الفسيحة، وكذلك حضارة الفينيقيين، والبابليين، والآشوريين، وفي بعض أجزاء الهند والصين ظهرت حضارات أدبية، فظهرت بجانبها فلسفات وأفكار اتخذت فيما بعد شكل الدين كالبوذية والكونفوشية، أما بقاع العالم المتخلفة فقد قامت بها أفكار بدائية تناسب الطور الذي كان يمر به سكان هذه الأقاليم.
نعود بعد ذلك للرسالات السماوية لنبين ما سبق أن أشرنا إليه من أنها - وإن كانت قد جاءت لأرقى جماعة بين جماعات البشرية - كانت تختلف في درجة رقيها تبعا لعصر المرسل إليهم. وفي هذا المجال يمكن أن نقسم مراحل هذه الرسالات إلى ثلاثة أقسام تقريبا، فالقسم الأول يمثل طفولة الجنس البشري وذلك يشمل الفترة التي عبرتها البشرية من آدم إلى نوع حتى إبراهيم، والقسم الثاني يمئل صبا الجنس البشري حيث وجد أنبياء بني إسرائيل وبخاصة موسى وعيسى، والقسم الثالث يمثل شباب الجنس البشري حيث رسالة محمد.
وهناك ملامح خاصة لكل قسم من هذه الأقسام.
ففي القسم الأول كانت الدعوة بسيطة، ومظاهر ذلك تبدو فيما بلى: