ولم يطل مقامها في الصفاء، فراحت تتعارك وحلت القطيعة محل التراحم، والتخاصم مكان المسالمة، فجاء دين ينظم الشؤون كلها، ويرعى الحس والعاطفة، ويدرس العقل والقلب، وينظم للناس شؤون دنياهم وآخرتهم (1).
ويقول بعض الباحثين في تفسير قوله تعالى: " مصدقا لما بين يديه " (2):
هذا الكتاب الذي نزل بالحق يصدق ما بين يديه من الديانات التي سبقته وامتدت إلى زمانه، يصدقه في أصولها، فهي صورة من صور الحق التي جاء بها الرسل مناسبة لزمانهم، محققة لأغراضها في ذلك الزمان وكلما تغيرت الحاجة جاء طور من الديانة، جديد، يتفق في أصله ويختلف في فروعه تدرجا مع الحاجات.
مع تصديق اللاحق للسابق في أصل الوحدانية الكبير (3).
وقد قمت - بحكم عملي في مقارنة الأديان - بدراسة الأديان السماوية أو أكثرها، وبدراسة الأديان الوضعية أو أشهرها، وظهرت لي هذه الحقيقة واضحة، وأريد هنا أن أبرزها وأن أسير معها في ركب الجنس البشري لأصفه وهو يتطور وتطور معه الرسالات.
وينبغي أن يكون واضحا أن الجنس البشري لم يتطور دفعة واحدة في وقت واحد، وإنما ساعدت عوامل خاصة على تطور جزء من الجنس البشري، وبقيت أجزاء أخرى في تخلفها وتأخرها، وهكذا دواليك، وبذلك وصل جزء من البشرية إلى مرحلة الشباب، وكان جزء آخر في نفس الوقت لا يزال في مرحلة الصبا، في حين كان هناك جزء ثالث لا يزال في مرحلة الطفولة يعيش عيشة بدائية أو ما يقرب من البدائية.