وبلغ من حرصه على الرحمة بأهل الكتاب أن عزل واليا أحس بأنه ضاق ذرعا ببعض أهل الكتاب في ولايته، فخاف عرم أن يجور عليهم، فقد روي أن نصارى تغلب كانوا يناوئون واليهم الوليد بن عقبة، فنفد صبر الوليد مما كانوا يعملون، فقال شعرا يتوعدهم ويهددهم، وسمع عمر بعض هذا فخشى أن يقسو الوليد عليهم، وأن يبطش بهم فعزله عن ولايته، وعين أميرا غيره.
وكان أهل الكتاب يدفعون الجزية للمسلمين، يدفعها منهم القادر على حمل السلاح، ولا تدفعها المرأة ولا الصبي ولا الشيخ ولا الأعمى...
والجزية مقدار ضئيل من المال يتفاوت بتفاوت حالة الذمي المالية، فهي على الأغنياء 48 درهما في العام (حوالي جنيهين) وعلى المتوسطين 24 درهما وعلى العمال والصناع 12 درهما.
وتدفع الجزية لسببين:
1 - ينتفع أهل الكتاب بالمرافق العامة مع المسلمين، كالقضاء والشرطة والطرق الممهدة والآبار وغيرها، والمرافق العامة تحتاج إلى نفقات يدفع المسلمون قسطها الأكبر، ويسهم أهل الكتاب بالجزية في تكاليف هذه المرافق.
2 - لا يكلف القادرون من أهل الكتاب أن يحملوا السلاح ويدافعوا عن البلاد بل يقوم بذلك المسلمون. ولذلك يدفع أهل الكتاب هذه الضريبة نظير إعفائهم من هذا الواجب الكبير، ويسجل التاريخ أن بعض أهل الكتاب قاموا بنصييهم في الدفاع في بعض الأحوال فسقطت عنهم الجزية وكان ذلك في عهد عمر أيضا (1).