وتتنوع الموجات يحدث أن يمتلئ الجهاز بالموجات الطولية والعرضية السالبة والموجبة المتواردة عليه.
يخرج أحدنا إلى عمله فيسعده التوفيق بصديق حميم طالما اشتاق إلى رؤيته فيعتنقان بدموع الفرح وذكريات الأخوة، فتمتلئ نفسه حبا للحياة ومعانيها وأشيائها. حتى إذا زحمه العمل وأزعجه أحد الأشياء أو الناس امتلأت نفسه نفرة من الناس وغيظا. ثم إذا تسلم مرتبه الشهري عاد الرضا إلى نفسه.
فإذا رجع إلى منزله ووجد طفلته قد فجأها المرض عادت الحياة سوداء في عينيه، فإذا غادرتها الحمى في وقت لاحق من الليل وارتاحت إلى نوم رفيق، عادت نفسه مزيجا من الرضا والغضب والألم والراحة!.
في يوم واحد تتوارد على نفس أحدنا ألوان الشر والخير. فما بالك بحياتنا الطويلة، وهي مسيرة بين الأشواك والزهور في سهل الدرب وحزنه ونسيم عليل وسموم لافح. نعماء وضراء ومسرات وآلام.
يبدو أن الهلع في الشخصية أمر لا مفر منه ما دام ينبع من إرهاف أنفسنا واختلاف المؤثرات في حياتنا. لكن الإسلام يرى أن باستطاعة الإنسان أن يتخلص من الهلع، بل ويرى في الهلع تناقضا في الشخصية وتمزقا ضارا..
فأن تعيش في الحياة وتمارس خيرها وشرها، لا يمنع أن تكون نفسك ثابتة النظرة موحدة المشاعر متعالية على ما ينتابها من المؤثرات.
ومفتاح ذلك في رأي الإسلام أن تعرف المفهوم الواقعي للخير والشر: إن ما تراه يملأ حياة الناس من (خير وشر) ليس هو بالحقيقة خيرا ولا شرا. فلا الفقر ولا المرض ولا الآلام والنكبات والموت وبشر ولا خير. ولا الغنى والرفاه ولا الجاه العريض والقوة الواسعة بخير ولا شر. إنها جميعا عناصر أولية وعجائن بيديك تجعلها خيرا أو شرا. يقول الله تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول: ربي أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول: ربي أهانن. كلا) 15 - 17 الفجر.
كلا. فلا هو التكريم والخير في النعماء، ولا هي الإهانة والشر في الضراء. إنما هما صحيفتان مقدمتان لك تملأ كلا منهما بما شئت. فقد