تكسب بثروتك شرا وقد تكسب خيرا، وقد تكسب بفقرك خيرا وقد تكسب شرا. والحاكم والمحكوم والقوي والضعيف والجميل والدميم والذكي والغبي والمشهور والمغمور كل منهم قد يكسب بما هو فيه خيرا وقد يكسب شرا، لأنهم جميعا يملكون عجائن قابلة للتحويل إلى الخير وإلى الشر وبدرجات واحدة من القابلية.
هذا هو التقييم الإسلامي لأشياء الحياة وللمؤثرات الناتجة عنها: مواد خام من نوع واحد لا بالخير ولا بالشر وإن تراءت لأعيننا خيرا وشرا. ومن ثم وجب في نظر الإسلام أن تمس هذه المؤثرات سطح النفس مساسا دون أن تنفذ إلى عمقها، وأن يكون المنبع لمواقف النفس وأحاسيسها الخير الحقيقي لا المظهري: رضا الله تعالى ورضاه وحده.. رضا الله الذي هو تحويل المادة الخام إلى خير، تحويل الابتلاء إلى نجاح. فبهذا تطمئن النفس إلى الخير الحقيقي وتتخلص من الهلوع صعودا وهبوطا مع ما يتراءى لها من خير وشر:
عن الإمام الصادق (ع) قال " عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عز وجل له قضاء إلا كان خيرا له، إن قرض بالمقاريض كان خيرا له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له! " الكافي ج 2 ص 62.
إنه الخير المطلق المضمون من مصدره، الموصول في منبعه، تتنعم فيه النفس المؤمنة وهي تمسي بين الأشواك والورود وتقطع الحياة بنعمائها وضرائها، دون أن تجزع من ضراء أو تطغي في نعماء، دون أن تخضع في مواقفها وأحاسيسها لمؤثرات الخير والشر الظاهريين.
وكذلك الإيمان يتعالى بالنفس عن الهلع بمؤثرات الحياة ويهبها الطمأنينة في كل حال:، يروى أنه عندما أوثق البابليون نبي الله إبراهيم (ع) ووضعوه في المنجنيق ليلقوا به في نارهم المضطرمة، أتاه جبريل (ع) فقال له: ألك حاجة؟ فأجابه (ع) باطمئنان: أما إليك يا أخي فلا!
ويخرج الرسول الرسول صلى الله عليه وآله من بلده مكة مهاجرا برسالته بعد أن أجمع المكيون على عدائه وقتله فلا تنفذ إلى نفسه الشريفة ذرة من الحزن أو الجزع، ثم